ما الذي يجعل الحضارة الأوروبية تتغنّج أمام كل الأمم والشعوب؟ ما الذي يجعلها تمشي الخيلاء أمام كل العالم؟
هل فعلا هي حضارة شيطانية؟
أتعجب من "شيطنة" تجدها موزعة على أكواب منتقديها قبل غيرهم؟
هل فعلا هي مجرد حداثة تافهة؟ مدنية مثقوبة بالماديات؟
هل فعلا هي حضارة ترقص على جثث الأخلاق والقيم والأنانية؟ وهل فعلا نحن أكثر منها أخلاقا وقيما وحبا وإنسانية؟
قبل الإجابة عن ذلك، لا بد من أن نعرف الخلطة السحرية في تطور هذه الحضارة الجميلة. هذا القصر المنيف، وذلك على الرغم من وجود بعض صناديق القمامة فيه.
من جمال الغرب الحرية الشخصية.
لست مسؤولا عن الآخر، حتى ولو راح يلعب كرة مع خروف. هو حر مادامت حريته لا تتعارض وحرية الآخرين.
هل تعلمون سر تطور حضارتهم؟
السر، أن التطور العلمي واكبه تطور ديني، فالكنيسة خافت من العزلة أمام صرخة الثورة الاقتصادية وثورة التكنولوجيا، وأمام الثورة الفرنسية وغيرها فلملمت ثيابها.
استبدلت ثوبها، ألقت بخرافة صكوك الغفران في البحر، ونأت بالكنيسة عن التدخل في شؤون الدولة، فحمت نفسها وحمت الناس ودماء الناس.
أجمل ما أجده في الغرب هو فصل الدين عن الدولة. أفضل ما عندهم أنهم لا يؤمنون بحكومة ملتحية.
هذه ليست علمانية، إنما هي الواقعية.
ما دخل الدين بالكيمياء والفيزياء وصناعة الطائرة؟
هذا ما نحتاجه من مساجدنا، ومن أئمة الجمعة والجماعة.. إبعاد المسجد عن التدخل في شؤون الناس وخصوصياتهم الحياتية.
الابتعاد عن فكرة التلصص على الناس وأسرار الناس من فتحة الباب، بادعاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ليس هنالك منكر يحتاج إلى مواجهة.. من تفجير العالم باسم الدين، أو تأليب قلوب الناس على بعضهم باسم الطائفية والدين.. بالله عليكم أيهما اخطر؟
العبادة تكليف فردي، فمن الإجحاف بها وبالدين تحويلها عبادة حزبية مختلطة بالبشرية.
انظروا كيف تمت الإساءة للإسلام اليوم، عندما أُدخل الأحزاب وجُعل صندوق متفجرات وعلبا ناسفة.
العنصر الآخر الذي خدم الحضارة الغربية ونحتاجها للعالم العربي والإسلامي إن أردنا التطور هو عنصر النقد، خصوصا الخرافات التي تخلط بالدين الى أن أصبحت أقوى من العقيدة.
تعرفون المفكر الفرنسي جان كلود؟ ألّف كتابا اسمه "خيانة التنوير".
نقد الحضارة الغربية المتغطرسة التي تعتبر نفسها وكأنها معصومة.
الكاتب ينتقد أخطاء الحضارة الغربية، وهذا الانتقاد هو العامل الأساس لحياتها واستمراريتها.
نحن كعرب سر تخلّفنا هو كرهنا لمن ينتقد تاريخنا أو أخطاءنا، تماما كمن هو مصاب بالسرطان، ويصر على أن مرضه مجرد زكام!
العقلية العربية تقوم على المقدسات والمحرمات وفكر الطهرانية والولادة في قارورة عطر.
الأحياء عندنا ليس لهم أي رأي. الموتى يؤخذ رأيهم في القضايا السياسية أكثر من الأحياء، حتى ولو في قضايا جديدة.
هل هناك تخلُّف أكبر من ذلك؟
نحن الأمة التي يقودها الأموات من القبور، ولا رأي لأحيائها فيها أبدا.
فقيه مات قبل 500 سنة، رأيه أهم من أكبر فيلسوف عندنا اليوم.
أنا أنتقد الغرب وأطرح ذلك، لكنهم متطورون عنا بمسافة سنة ضوئية.
بحسب تقرير للمرصد الوطني الفرنسي للدواء، فإن الفرنسيين هم، منذ سنوات عدة، بين أكثر المستهلكين في العالم للأدوية المضادة للاكتئاب وللمهدئات. هو يزيد في فرنسا بنسبة 40 في المئة عما هو عليه في الولايات المتحدة. كما أن الفرنسيين هم أكثر استهلاكا للكحول في العالم.
القلق والاكتئاب.
كتاب "عالج نفسك" لدافيد شرايبر.
السلام الداخلي لا يكون مع وجود الطبيعة أو جمال الدنيا والانفتاح والحرية فقط، بل لا بد من علاج فكري وروحي. وهنا تأتي أهمية الارتباط بالله، الحقيقة المطلقة.
بالأمس، قرأت كتاب "لغة الذكاء العاطفي" لجان سيغال، سأتحدث عنه لاحقا، وعن دور الأمراض النفسانية.
المفكر الألماني يورغن هابرماس انتقد الحضارة الغربية بقوة، وركّز على دورة العولمة الجائرة بمسؤولية الوضع المتفجر في العالم.
هل أحد منا يستطيع نقد خرافة من خرافاتنا؟
سؤال مهم، هم بمفكريهم ينتقدون حضارتهم.
هل بإمكاننا نحن أن ننتقد فكرة شيخ دين، أو سطر في كتاب مدرسي أو خرافة طرحها خطيب؟
لهذا، أحرّض الشباب العربي والإسلامي، على أن يدخل في النقد العلمي في كل حياته، وما يسمع ويقرأ ليصل الى التنوير.
المشكلة أننا نكرر أخطاءنا في كل شيء.
ليس هناك نقد.. هناك نقد في الغرف المغلقة.
مجتمع يخاف من نفسه، وعلى حد تعبير نزار قباني "طيورها تخاف من بقية الطيور".
الخرافة لا تذوب بالتطبيل عليها، وإنما بنقدها.
التنوير لا يكون بالرضا عن النفس، وبالقناعة المعلّبة الموزعة من ثلاجة هذا الرجل أو ذاك.
اسألوا عن الدليل وستكتشفون الحقيقة، ولو في علبة بسكويت.
:D