{ كل ألوان الحب, يتم التعبير عنها بالكلام, مكتوبا أو منطوقا, إلا ذلك الحب الذي لايعرف له صاحبه هدفا, ولا يدرك كيف بدأ, وغالبا ما يستعصي علي الأفهام!!, إن هذا الحب الحقيقي, هو في ذاته قوة خارقة تسيطر علي الانسان.. في حين أن أنواع الحب الأخري تقع تماما تحت سيطرة الانسان, ولقد قلنا إن هناك أنواعا من الحب, توجه الانسان الي شخص ما, إما بهدف( الاستفادة) المادية أو المالية من المحبوب أو الانتفاع به اجتماعيا, وإما بسبب الرغبة الجنسية, الدفينة أحيانا والصريحة أحيانا أخري.. وإما بسبب لا يفهمه المحب ولا يدركه.. لا هو ولا غيره ممن يحيطون به, وفي كل هذه الأنواع, نجد أن وسيلة التعبير تكاد تكون واحدة في البداية, وهي الكلام, كثيرا كان أو قليلا.. وتبقي هناك أسئلة معلقة, لاتجد لها جوابا, عند أغلب المحبين والمحبوبين, يدور محورها حول تساؤل جوهري, هو: كيف أعرف نوع الحب, من فيض الكلام المنهمر.
والواقع أن هناك من الناس من لديه فراسة الادراك الصحيح لما يسمع, فيستطيع أن يفرق تماما فيما يقال له بين الحب الحقيقي والحب الطاريء ذي الهدف المؤقت, وهناك نوع من الناس لا يستطيع أبدا أن يفرق بين هذا وذاك, وانما يندفع لتصديق كل ما يقال له ويعيش في أحلام حب أقامه خياله, حتي يفاجأ بانهدام المعبد أمام حقيقة الوهم والزيف, ويندرج تحت هذا النوع90% من الاناث اللواتي يتعلقن ـ دون وعي ـ بكلمة الحب وحدها, إما تعطشا للحب وإما انجذابا لبريق الزواج, والمشكلة أن كثيرا من الرجال يدرك هذا( النقص) لدي الاناث, فيتوسعون في الغواية والاغراء بالكلام المعسول, حتي تصطدم البنت بصخور الحقيقة, تدمي رأس القلب وتفجر الدموع في العيون, وهناك نوع ثالث يشك في كل ما يسمع, ولا يصدق ما يقال له, حتي ولو كان تعبيرا حقيقيا عن حب حقيقي.
وتكمن المشكلة كلها في( الاندفاع)!! فليس مطلوبا, أن يندفع الانسان الي تصديق أو رفض ما يسمعه, في التو واللحظة, إنما يصبح( التريث) مرغوبا جدا, للكشف عن النيات الحقيقية لهذا الكلام, إن عنصر الزمن يعمل لصالح الجميع, لكن الاستعجال يذبح المندفع, وهناك من يندفع أملا في عدم تفويت الفرصة, لكنه لايدري أنه يندفع الي حتفه, ولا يدري أن المحب الحقيقي سوف ينتظر وينتظر دون ملل وأنه لو أصابه الملل فقد كشف عن( سطحية) مشاعره!!.. إن هناك من المحبين من يبقي علي حاله سنوات, أما الذين( يمنحون) أحبابهم مدة, مثل اسبوع أو شهر أو أكثر, للرد, فهم تجار حب, ومحترفو صفقات عاطفية, كهذا الذي يقول للمرأة( أمامك شهر لتقولي لي إن كنت تحبيني أم لا)!! { وزمن التريث مفيد جدا في الكشف عن الحقيقة, لأن الشخص لن يسعفه الكلام فقط إن طالت المدة, فلابد من( المواقف) و(التصرفات) التي تؤيد كلامه أو تناقضه.. ومن بين( المواقف) مثلا, أن المحب الحقيقي, لايقطع علاقته اذا تصادم مع من يبثها حبه, وانما( يغضب) لفترة ثم يعود من تلقاء نفسه, ولابد من تكرار هذا الموقف, ليدل علي أصالة الشعور وتمكنه من صاحبه.
إن المحب الحقيقي بطبيعته, قليل الكلام, يبدو عليه الارتباك أو التلعثم.. أو يكثر من الصمت, كأنما هو قدر أصبح أسيرا لتيار كهرومغناطيسي, يشل قدرته علي التعبير!! إن المحب الحقيقي يفقد نفسه عند المواجهة ويصبح مثل غريق, لا يجيد السباحة تتقاذفه الأمواج, ما لم يمد المحبوب إليه يده بين وقت وآخر يساعده علي الطفو فوق سطح الموقف.
وفي مجال( المشاعر) نجد أن المحب الحقيقي, لا يستطيع بسط مشاعره كلها في صراحة ووضوح, بل يدور حولها بالتلميح لا بالتصريح, أما في مجال( الحواس) فهو لا يلجأ الي لمس المحبوب أو الامساك بيديه بعيون زائغة, إنما يكون اللقاء بين الحواس, عينا بعين!! فهو يتعلق بوجه المحبوب, لابسائر جسده, وهو يستقر ببصره كثيرا عند عيون المحبوب, في اطلالة الي أغوار النفس, في حين أن المحب للجسد ينتقل ببصره الي كل أجزاء الجسد, ويتغزل فيها, والمستمع ينسجم لا يدري أن هذا كله, يكشف عن جوع جسدي وليس عن ظمأ عاطفي الي المحب, فينزلق الي الفخ مخدرا بسحر الكلمات الساخنة, غير أن ماقلناه عن الحب الحقيقي, لا يكفي فيه أن يحدث مرة واحدة أو اثنتين, بل يجب أن يتكرر في مواقف كثيرة.. ومن المؤكد أن توالي مثل هذه الظواهر يحدث اقناعا تدريجيا بأننا أمام حب حقيقي, تكتشفه الأنثي موقفا بعد موقف وتصرفا بعد تصرف. { والذين يحبون حبا طارئا ذا هدف يعلمونه, كثيرو الكلام, سريعو التعبير, لا يكفون عن التعبير والملاحقة, بجرأة وبفصاحة, ويبرعون في تمثيل بعض المواقف لاستدرار عطف المستمع, كشيء من دموع التماسيح أو ادعاء المرض, أو السهر والتوهان, لكنهم لا يستطيعون الاستمرار في هذه التمثيليات طويلا.. لذلك نقول انه لابد من التريث والصبر لأنه في الزمن الطويل نسبيا, سوف يتساقط الكاذبون والمدعون ويبقي ذوو الأصالة في المشاعر ثابتين علي بث مشاعرهم بجميع الوسائل.
لكن مشكلة البنت أن الحب عندها ليس إلا طريقا للزواج.. من هنا تقع أسيرة في قبضة التسرع, وتتلهف علي تصديقه, فإذا استطاع أن ينال منها, يتركها الي غيرها, فتسارع هي أيضا الي القول بانه( خانها) وبالاعلان عن أنه لا وجود للحب!! لكن المسئولية مسئوليتها وحدها, لأنه لم يخنها بل خانها ذكاؤها واندفاعها.. ثم ان الحب موجود في كل زمان ومكان, ولكن ليس علي اطراف الألسنة.. انما هو كامن في القلوب تكشفه مرايا العيون وارتعاشات الشفاة عند الكلام, ونظرات تائهة تبحث عن مستقر لها, الي حين. { إن محور المشاكل في ضلال الحب, هو التسرع, ولم أجد في مشكلة عرضها أصحابها علي إلا استعجالا سريعا في التصديق, واندفاعا ساحقا وراء حلو الكلام.. ولأن الحب اتجاه شعوري داخلي كامن في النفوس فليس من السهل أبدا عرضه كفستان زفاف في فترينة, لكن الاحساس به, يبدأ في التكون التدريجي منذ كان خيوطا, ثم غزلا ونسيجا, ثم تفصيلا وحياكة لرداء زكي الرائحة والمنظر, والانسان السوي يستطيع أن يدرك الفرق بين الورود الصناعية, التي تحمل الزهر والورق والشوك والألوان, دون ما رائحة, وبين الورود الطبيعية التي تتسابق روائحها الي صدر القلب وتتقافز موجات الشذي منها الي انفاس المحب, قبل أن تراها عيونه!! لقد شاهد الحقيقة قلب مخبوء بين الضلوع, بالعطر والشذي بين قطرات الدموع..!!