تفرزاليرقة خيوط الحرير. وكباقي أنواع اليرقات فإنها تقضي فترة من فترات حياتها داخل شرنقة وعند خروجها من الشرنقة تقوم بإخفاء نفسها داخل ورقة نباتية، وعملية الاختفاء تتم بمنتهى الإحكام وفق مخطط مدروس مسبقاً وعبر مراحل تتطلب خبرة وقدرة فائقة لصعوبة طي الورقة الخضراء وبالتالي لا يمكن لها أن تخفي جسم الحيوان الصغير بسهولة لذا وجب إيجاد حل لهذه المشكلة.
لذا فقد استطاعت أن تجد حلاً بسيطاً لكنه يفي بالغرض إلى أبعد حد حيث يقوم الحيوان بقرض جزء الورقة المتصل بالنبات لقطعها، ولمنع سقوطها يقوم بربطها بشكل محكم عبر إفراز خيوط الحرير ثم تبدأ الورقة بالتيبس وتنكمش الورقة اليابسة حول نفسها، وبعد ساعات تأخذ الورقة شكلها النّهائي كأنبوب يصلح أن يكون مخبأً أميناً لها وسرعان ما تلجه متخذة إياه مسكناً لها.
للوهلة الأولى يمكن أن يفكّر المرء بأنّ الحيوان قد خطا هذه الخطوة المنطقية لتوفير مخبأ أمين لنفسه وهذا صحيح، ولكن بدخول الحيوان داخل الورقة المتيبسة قد يصبح صيداً سهلاً للطيور لأنّ اللون المختلف لهذه الورقة يجلب انتباهها، وهذا يعني نهاية الحيوان المختبئ داخلها. وفي هذه الخطوة بالذات تقدم الدودة على اختراع جديد بواسطته تنقذ نفسها من مخالب الطيور، إذ تقوم بإجراء عملية حسابية دقيقة كالتي يقوم اختصاصيو الرياضيات استناداً إلى مبدأ الاحتمالات، لأن الدودة تقوم بالعمل نفسه في أوراق نباتية أخرى وتقوم ربط هذه الأوراق حول الورقة التي تختبئ داخلها كنوع من أنواع التمويه ضد الأعداء وهكذا يصبح على غصن واحد أكثر من ورقة (6 –7) واحدة منها فقط تحوي الدودة المختبئة والباقية خالية تماماً، وإذا حدث وتناول أحد الطيور هذه الأوراق يصبح احتمال وقوع الدودة كفريسة 1/6. (3)
كل هذه الظواهر السلوكية تعتمد على منطق معين بلا شك، ولكن هل يمكن لهذه الدودة التي تحتوي على مخ مجهري وجهاز عصبي بسيط أن تقوم بهذه الأعمال العقلانية والمنطقية والمخطط لها مسبقاً من تلقاء نفسها؟ وكما هو معلوم فلا حظ لهذه الدودة من التفكير. ومن الاستحالة أن تكون قد تعلمت من دودة أخرى، وفي الحقيقة فإن هذه الدودة لا تعلم بالخطر الذي يتهددها في المستقبل، إذن فكيف اهتدت إلى فكرة التمويه؟
ولو وجهتم هذا السؤال إلى أحد أصحاب نظرية التطور فلن يستطيع أن يجيب إجابة مقنعة ومحددة، وفي غالب الأحيان يلجؤون إلى مفهوم واحد وهو الغريزة حيث يفسر هؤلاء طريقة سلوك الحيوانات بالغريزة، وفي هذه الحالة فإن السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهننا هو عن تعريف الغريزة، حيث نستطيع أن نقول إنها آلية معينة تجعل الدودة مثلاً تخفي نفسها داخل ورقة نباتية أو تجعل القندس يبني عشه وسده بهذه الكيفية وهذه الآلية أو القوة الدافعة التي يجب أن توجد في مكان ما داخل جسم الحيوان.