قراءة في نتيجة تجربة مايكلسون ومورلي, وفرض ثبات سرعة الضوء في الخلاء الكبير
5 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
السوري الأصلي العضو مميز
الأوسمة : :
موضوع: قراءة في نتيجة تجربة مايكلسون ومورلي, وفرض ثبات سرعة الضوء في الخلاء الكبير 19/10/2010, 10:11 pm
آآلـًٍسًٍـلآآمً عـًٍـلًٍـيًٍــكًٍـمًٍ وٍرٍحًٍـمًٍـهًٍـ الله وٍبًٍـرًٍكَـَآتـٍَّهـ
قراءة في نتيجة تجربة مايكلسون ومورلي, وفرض ثبات سرعة الضوء في الخلاء الكبير
تجربة مايكلسون : درج معظم المصنفين عند الحديث عن تجربة مايكلسون ومورلي , على أن يقدموا بين يدي عرضهم للتجربة مثالاً في متناول الجميع ( السباحَين أو الطائرتين ) لتقريب آلية التجربة إلى الأذهان وتقرير نتيجتها . بيد أنني قي هذا البحث , وللغرض نفسه , سأعكس الأمر وأبدأ بتعريف موجز لتجربة مايكلسون ومورلي , وأُثني بالمثال التوضيحي . فكرة التجربة : لن يطول بنا البحث لنصل إلى ترجيح نشوء فكرة تجربة مايكلسون عن أربعة معطيات رئيسة , وهي : 1 – حركة الأرض ( فعلاً ) بفعل التحريك . وذلك بعد أن ترجح لدى العلماء نتيجة أبحاث ودراسات وملاحظات وتجارب قاموا بها طيلة قرون عديدة , أن الأرض تتحرك بفعل التحريك , بدلالة الشمس أو الأثير الساكن بسرعة 30 كم / ثا . 2 – حركة الموجة الضوئية عبر الأثير الساكن . حيث ترجح احتياج الموجة الضوئية في حركتها إلى حامل , كاحتياج الموجة الصوتية والموجة المائية إلى ذلك . 3 - إمكانية تحديد حركة الأرض بدلالة الأثير الساكن من خلال تجارب كهربائية أو ضوئية .
حيث مفهوم النسبية حتى ذلك الحين , في عدم إمكانية تحديد الجسم المتحرك حركة منتظمة بالنسبة لآخر , كان مقتصراً على التجارب الميكانيكية , وأنه من الممكن تحديد الجسم المتحرك في التجارب الكهربائية أو المغناطيسية أو الضوئية التي تجري عليه بدلالة الأثير الساكن , إذا توفرت أجهزة عالية الحساسية والدقة , بحيث تستطيع تسجيل الفروقات الزمنية بين وقوع حادثتين من مرتبة ( 0.00000001 ثا ) . 4 – ظاهرة التداخل في الضوء . وهي محور تجربة مايكلسون , إذ يستطيع من خلال نتائجها التوصل إلى الفارق الزمني بين انتشار الموجتين المتداخلتين مهما بلغت دقته .
وبناء على هذه المعطيات ؛ ظهر للعالم مايكلسون أنه إذا أمكننا أن نجري تجربة نُنتج فيها موجتين متداخلتين من جهاز موضوع على الأرض المتحركة , إحداهما تسير موازية لحركة الأرض في الأثير ذهاباً وإياباً , والأخرى تسير ذهاباً وإياباً متعامدة عليها , فإننا نستطيع من خلال رصد فرق الطور عند نهايتي رحلتيهما , أن نتيقن من سكون الأثير ومن حركة الأرض فيه . وذلك أن مجموع تركيب سرعات الحركات العمودية , وفق المعطيات المتقدمة , يكون أكبر من مجموع تركيب سرعات الحركات الموازية ( الأفقية ) التي تكون مرة موافقة لحركة الأرض وأخرى معاكسة لها , وبذلك تسبق المتعامدة أختها الأفقية في العودة .
بنية جهاز مايكلسون وآلية عمله : بعد أن استحكمت تلك الفكرة في ذهن مايكلسون , وجد أنه يلزمه لتحقيق التجربة المنشودة جهاز يتألف من ذراعين متساويتين , ومصدر ضوئي , ومرآة نصف مفضضة , ومرآتين عاكستين , وكاشف . بحيث توضع الذراعان على هيئة إشارة الزائد , وتكون إحداهما موازية لحركة التيار الأثيري الذي ينشأ عن حركة الأرض في الأثير الساكن , والأخرى متعامدة على هذه الحركة , ويوضع المصدر الضوئي على أحد طرفي الذراع الموازية , ويوضع في الجهة المقابلة له مرآة عاكسة ( م1 ) وفي وسط المسافة بينهما توضع المرآة نصف المفضضة مائلة بزاوية 45 درجة , ويوضع على أحد طرفي الذراع العمودية مرآة عاكسة ( م2 ) لها نفس بعد المرآة ( م1 ) عن المرآة المفضضة , وفي الطرف المقابل للمرآة ( م2 ) يوضع كاشف يُظهر نهاية ما ينتج عن مسير الضوء عبر هذه المرايا من خلال ضوابط ظاهرة تداخل الأشعة الضوئية . ويتم عمل الجهاز بإطلاق موجة ( أشعة ) ضوئية من المصدر , فتسقط على المرآة المفضضة لتنشطر إلى موجتين ( أ و ب ) متساويتي الشدة , فتمر الموجة ( أ ) خلال المرآة نصف المفضضة إلى المرآة ( م1 ) بينما تنعكس الموجة ( ب ) عن المرآة نصف المفضضة إلى المرآة ( م2 ) ثم تنعكس الموجة ( أ ) عن المرآة ( م1 ) عائدة إلى المرآة نصف المفضضة لتنشطر ثانية , وينعكس نصفها إلى الكاشف فيراه المراقب ( ونصفها الآخر يعود إلى المصدر الضوئي ، وليس له أية أهمية بالنسبة للتجربة ) وكذلك تنعكس الموجة ( ب ) عن المرآة ( م2 ) عائدة إلى المرآة نصف المفضضة لتنشطر ثانية , فينعكس نصفها أيضاً إلى الكاشف ( وكذلك نصفها الآخر يعود إلى المصدر الضوئي ، وليس له أية أهمية بالنسبة للتجربة ) وعلى ذلك يرى المراقب على الكاشف نهاية رحلة كلتا الموجتين .
مخطط بنية جهاز مايكلسون :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] و لما كان , كما تقدم , مجموع تركيب سرعات الحركات العمودية , وفق المعطيات المطروحة , أكبر من مجموع تركيب سرعات الحركات الأفقية ( الموازية ) , فإن نتيجة ذلك الفرق سوف تظهر على الكاشف , ونوقن بها من سكون الأثير ومن حركة الأرض فيه .
ولرفع الشكوك عن نتائج التجربة , علينا إعادة التجربة بعد أن ندير الجهاز مقدار 90 درجة , بحيث تتناوب الذراعان في أماكنهما , ثم نقارن بين مجموع ما حصلنا عليه من النتائج كافة .
إقامة التجربة ونتائجها : وتمكن مايكلسون من صنع الجهاز الذي أراده بعناية جيدة , وأقام التجربة التي يصبو إليها , وأعاد التجربة ثانية وثالثة ورابعة ... ولكن النتائج كانت دائماً على غير ما توقع وعلى خلاف ما أراد .. فالحزمتان تصلان معاً , في كل مرة تقام فيها التجربة , والجهاز لم يسجل أدنى فارق معتبر بين مسير الحزمتين , وهذا يعني أن هناك خللاً أو نقصاً ما في بعض المفاهيم العلمية السائدة ؛ فهزت هذه النتيجة السلبية الأوساط العلمية بعد أن أوشكت على الاستقرار في بناء تعاليمها . وهذا ما دعا مايكلسون على إعادة التجربة مرات ومرات , كما دعا ذلك العالم مورلي عام 1887 م للانضمام إلى مايكلسون وإعادة التجربة بعد تحسين الجهاز وإعطائه ما يستحق من العناية والدقة الفائقة . ولكن النتيجة بقيت على حالها رغم جميع التحسينات ورغم إجرائها في أماكن وظروف عديدة وفي أوقات مختلفة .
ولم يبق أمام العلماء إزاء ذلك كله إلا إيجاد تعليل سليم لهذه النتيجة المفاجئة . فأعملوا قرائحهم واستنفروا جهودهم للخروج من هذا المأزق , فخرجت تعليلات وتفسيرات كثيرة كان أعلاها وأرجحها تعليل العالم فتزجيرالد الذي ينص على أن ( جميع الأجسام تنكمش في اتجاه حركتها في الأثير ) ؛ و قـد بنى فتزجيرالد فكرته هذه على التصور التالي : لما كانت الأجسام العادية تنبسط في الشكل عند اصطدامها بالأجسام الأخرى ، كما يحدث مثلاً عند اصطدام كرة من المطاط بالحائط ، فلماذا لا يكـون ممكناً أن الأجسام التي تتحرك في الأثير تعاني منه ضغطاً يجعلها تنكمش ؟ ولم يخلُ هذا التعليل من الاعتراضات عليه , ولكن البحث الذي نشره العالم لورانتز عام 1892م لإنقاذ نظريته الإليكترونية بعد نتائج هذه التجربة , كان سنداً لهذا التعليل حتى سمي بانكماش ( فتزجيرالد - لورانتز ) وفحوى هذا البحث : أن المادة مؤلفة من ذرات موجبة وسالبة , وهي عبارة عن كرات مشحونة , فإذا تحركت هذا الكرات تحول شكلها إلى مجسم قطع ناقص يكون محوره الصغير في اتجاه الحركة , وهذا ما حدث لذراع جهاز التداخل ( المؤلف من المادة ) الذي تحرك باتجاه حركة الأرض . وحصل لورانتز على المعادلة التي تعطي مقدار الانكماش , وبينت المعادلة أنه كلما زادت سرعة ريح الأثير أو سرعة الأرض في الأثير زاد مقدار الانكماش الناتج في ذراع جهاز التداخل الموافق لاتجاه الحركة , في حين أن الأجسام التي تتحرك في اتجاه عمودي على اتجاه ريح الأثير لا تعاني أي انكماش على الإطلاق . وبقي هذا التعليل بين أخذ ورد إلى أن جاء العالم أينشتاين بنظرية النسبية الخاصة عام 1905 م , فأخذ بهذا التعليل بعد أن فرض عدم وجود الأثير وأن سرعة الضوء ثابتة في الخلاء , فكان ذلك بمثابة البلسم الشافي لتثبيت تعليل نتيجة تجربة مايكلسون ومورلي مع الحفاظ على جوهر فرضيات العلوم القائمة آنئذٍ .
نتيجة تجربة مايكلسون ومورلي وموضعها في تجربة أينشتاين الفكرية : حين نبحث عن قواعد وأسس البناء التجريبي والرياضي التي تقوم عليه نسبية أينشتاين الخاصة , نجدها مرهونة بتحويلات لورانتز التي وُضعت لتعليل نتيجة تجربة مايكلسون ومورلي ؛ وهذا ما يحثنا على أن ندقق في ثنايا الارتباط بينهما , كلما حاولنا معالجة التناقضات الظاهرة التي تنتج عن فرضي نسبية أينشتاين مجتمعين . وتتجلى العلاقة المتينة والارتباط الوثيق بين نسبية أينشتاين وتجربة مايكلسون ومورلي في التجربة الفكرية التي ابتكرها أينشتاين لتقرير مفهوم التواقت النسبي , الذي هو العمود الفقري لنظريته النسبية . وللنظر في هذا الارتباط , مع مزيد من البيان , سأعرض أحد الأمثلة المشهورة المعتمدة في توضيح تجربة مايكلسون ومورلي , وأقابله مع تجربة أينشتاين الفكرية .
تجربة السباحين الموضِّحة لتجربة مايكلسون ومورلي : نتخيل نهراً عرضه (100 م ) وفيه تيار ماء يجري بسرعة ثابتة بالنسبة للضفة مقدارها ( 3 م / ثا ) ولنفرض وجود سباحين يسبحان بسرعة واحدة في المياه الساكنة , بسرعة كلٍّ منهما ( 5 م / ثا ) وأننا سنقيم سباقا بالطريقة التالية بحيث ينطلق السباحان معاً من نقطة واحدة في وقت واحد : السباح الأول يسبح مع حركة تيار الماء من النقطة ( أ ) إلى النقطة ( ب ) الموازية لحركة تيار الماء والتي تبعد عن ( أ ) نفس مقدار عرض النهر ( ب = 100 م ) ثم يعود سابحاً بعكس حركة تيار الماء من ( ب ) إلى ( أ ) . وأما السباح الثاني فسيسبح بعرض النهر في خط عمودي على تيار الماء من النقطة ( أ ) إلى النقطة ( ج ) في الضفة المقابلة ( ج = 100 م ) ثم يعود أدراجه إلى النقطة ( أ ) .
إن الفرق واضح بين زمني نهاية رحلتي السباحين , الذي يساوي : 62.5 – 50 = 12.5 ثا , وهذا يعني أن السباح الثاني يجب أن يعود قبل السباح الأول ب ( 12.5 ثا ) إلى نقطة انطلاقهما . ولكن !! ماذا لو عاد السباحان معاً إلى نقطة انطلاقهما في نفس الوقت ( بعد 50 ثا ) كما حدث في تجرب مايكلسون ومورلي ؟ !!
( وتجدر الإشارة هنا إلى إن رصد الفارق الزمني بين عودة السباحين , كان الباعث الرئيس لتجربة مايكلسون , لأنه دليل على وجوب وجود فارق زمني بين عودة الإشارتين إذا كانت الأرض تتحرك بدلالة الأثير الساكن ) .
هناك مجموعة احتمالات لتعليل عودة السباحين إلى نقطة انطلاقهما في وقت واحد , ترجع بمجموعها إلى اضطرابات وشرود في دقة الافتراضات الأولية , فمنها مثلاً : - أن يكون الماء والنهر ساكنين بالنسبة لبعضهما بعضاً . - أو أن , يحتال , السباح الأول فيزيد من سرعته . - أو أن يتساهل السباح الثاني فلا يبذل الجهد المعهود به . - أو أن يكون عرض النهر 125 م , وتكون القطعة ( أ ب ) 100 م فقط . - أو تكون القطعة ( أ ب ) 80 م , ويكون عرض النهر 100 م فقط . - أو .......
وفي الإجابة على هذا السؤال نجد : أننا إذا لم نرصد حركة الماء والنهر بدلالة بعضهما , فمعنى ذلك أن النهر والماء ساكنين بالنسبة لبعضهما , فلن يكون هناك سرعات مركبة , وسيصل السباحان معاً بعد ( 50 ثا ) لأن المسافة واحدة والسرعة واحدة , ويكون هو الاحتمال الراجح . ولكن لما ترجح لدينا وجود حركة للنهر ( للأرض ) فهذا يعني أن جميع الاحتمالات الباقية متساوية في الدرجة . وفي قبول العلماء تعليل فتزجيرالد – لورانتز لنتيجة تجربة مايكلسون ومورلي , نجد دليلاً ظاهراً على أنهم رجحوا الاحتمال الأخير , ولكن بعد أن أبقوا على سلامة قراءات المساطر , فقالوا : أصل المسألة أن الماء ( الذي يمثل الأثير ) ساكن , وإنما الذي يتحرك هو النهر بضفتيه ( الذي يمثل الأرض ) يتحرك بالاتجاه ( من ب إلى أ ) فيحدث تياراً مائياً يتحرك بعكس اتجاه حركة النهر أي : ( من أ إلى ب ) فيؤثر هذا التيار على سرعة السباحين . ونتيجة هذه الحركة للنهر , يتقلص طوله وطول ضفتيه أمام هذا السباح الموازي لحركته , كما يتقلص طول ما في الضفتين ومن فيهما باتجاه حركتهما , والتقلص بهذا الوصف لا يمكن أن يشعر به مَن كان طرفاً فيه , لأن المساطر نفسها تقلصت باتجاه الحركة , فتبقى إشارات المساطر ودلالاتها التي بها تُعرف مقادير الأطوال ظاهرة لديهم كما هي , في حين أن عرض النهر وعمقه لا يتأثران بحركته ( الأفقية ) الطولية . وبناء على ذلك ؛ فإننا حين نرصد وصول السباحين في وقت واحد , وتكون مساطرنا تقيس طول القطعة ( أ ب ) 100 م , وتقيس طول القطعة ( أ ج ) 100 م , ونرجح بأن النهر ( الأرض ) هو الذي يتحرك , فهذا دليل جلي على أنه لا يمكننا تحديد حال الجسم هل هو ساكن أم متحرك بانتظام من خلال هذه التجربة ونظائرها ؟ لأن التقلص لا يمكن رصده , ولأن هذه النتيجة نفسها نحصل عليهما عندما نرجح سكون النهر والماء بالنسبة لبعضهما . ظهور النسبية إثر التعليل الفكري والرياضي لتجربة مايكلسون ومورلي : انطلاقاً من معطيات فكرة تجربة مايكلسون ومورلي , ومن نتيجتها , ومن تعليل النتيجة بتقلص طول ذراع الجهاز الموافق لجهة حركة الأرض , يظهر لنا أن أينشتاين عندما نظر إلى ذلك كله بدا له أنه ؛ لما كانت تجربة مايكلسون ومورلي التي أُقيمت لإثبات حركة الأرض بدلالة الأثير الساكن , دلت على أن حركة الضوء لا تصلح لإثبات حركة الأرض المنتظمة , فهذا يعني أنه (( لا يمكن تحديد حالة الجسم ، إن كان ساكناً أو يتحرك حركة مستقيمة منتظمة , من خلال تجارب ميكانيكية أو كهربائية أو ضوئية تجري فيه , لأن قوانين الطبيعة تبقى هي هي في كل المراجع التي يتحرك أحدها بالنسبة لآخر حركة مستقيمة منتظمة )) وهذا فرض نسبيته الأول . كما بدا له أن ؛ حركة الأرض لا تؤثر في حركة الضوء , أي : لا يتغير مقدار حركة الضوء بالنسبة للأرض في حركتها بدلالة الشمس ؛ فلو افترضنا عدم وجود الأثير , وهذا يعني عدم وجود التيار الذي يؤثر في حركة الضوء , لحصلنا على النتيجة نفسها , مع افتراض التقلص باتجاه الحركة , أي : لوَصلت الإشارتان الضوئيتان – كما وصل السباحان – معاً في وقت واحد . فلما كانت التجربة التي أُقيمت على الأرض المتحركة , أظهرت عدم تأثر حركة الضوء بحركة الأرض , مثلما أبانت ثبات سرعة الضوء في رحلتي الإشارتين , فإن (( الأثير فرض لا مبرر لوجوده , وسرعة الضوء ثابتة في الخلاء , سواء أكان المنبع الضوئي ساكناً أم متحركاً , وسواء أكان الراصد ساكناً أم متحركاً )) . وهذا هو الفرض الثاني في نسبيته . وللمواءمة بين هذين الفرضين ودمجهما في بوتقة واحدة , وتقرير ما ينتج عنهما من مفاهيم جديدة , وضع أينشتاين التجربة الفكرية الشهيرة ( ضربتي البرق والقطار ) التي أُوجزها في التالي :
تجربة أينشتاين الفكرية : لنتخيل مراقباً يجلس في محطة القطارات في منتصف قطعة مستقيمة ( أ ب ) يحمل معه مرآتين تعكسان له ما يحدث في ( أ ) و ( ب ) دون أن يحرك رأسه ولنفرض قطاراً يتحرك حركة مستقيمة منتظمة بموازاة القطعة ( أ ب ) سرعتها ( سر ) ويجلس مراقب في منتصفه يحمل مرآتين تعكسان له أيضاً ما يجري في ( أ ) و ( ب ) من غير أن يحرك رأسه . فلو افترضنا وقوع ضربتي برق في ( أ ) و ( ب ) في وقت واحد بالنسبة للمراقب في المحطة , وذلك لحظة وصول المراقب في القطار إلى محاذاة المراقب في المحطة , فهل سيسجل المراقب في القطار وقوع الضربتين في وقت واحد كما سجل ذلك المراقب في المحطة ؟ الجواب : لا , لن يسجل ذلك ... لأنه إذا افترضنا أن القطار كان يتحرك مقترباً من ( ب) ومبتعداً عن ( أ ) فإن الإشارة القادمة من ( ب ) تصل إليه قبل القادمة من ( أ ) فتكون الحادثتان المتواقتتان ( تحدثان في وقت واحد ) بالنسبة للمراقب في المحطة , غير متواقتتين ( تسبق إحداهما الأخرى ) بالنسبة للمراقب في القطار .
وكذلك لو افترضنا أن ضربتي البرق وقعتا داخل القطار , إحداهما في مقدمته والأخرى في مؤخرته , في وقت واحد بالنسبة للمراقب في القطار لحظة محاذاته للمراقب في المحطة , فإن المراقب في القطار سيسجل وقوعهما في وقت واحد , في حين أن المراقب في المحطة لن يسجل وقوع الحادثتين في وقت واحد . فتكون الحادثتان المتواقتتان بالنسبة للمراقب في القطار , غير متواقتتين بالنسبة للمراقب في المحطة . وفي هذا دليل واضح على أن التواقت نسبي وليس مطلقاً ( أي : أن لكل جملة حركية زمناً خاصاً بها ) .
مقابلة أدلة فروض نظرية أينشتاين بنتائج تجربة مايكلسون ومورلي : بعيداً عن النظر في مفاهيم ( تمدد الزمن وانكماش الطول ثم ازدياد الكتلة وحدية السرعة ... ) التي نتجت عن مفهوم ( التواقت النسبي ) نجد أن الركن الذي اعتمده أينشتاين في بناء فرضيه لم يكن متيناً , وإنما فيه من الضعف ما يدفعنا إلى إعادة النظر فيما أتى به , وذلك أنه لا يمكن اعتماد تجربة مايكلسون , رغم نتيجتها – السلبية - , دليلاً على عدم إمكانية تحديد الجسم المتحرك بانتظام بتجارب ضوئية تجري عليه , لأن التجربة غير كافية لهذه الغاية ؛ فهي مقتصرة على صورة واحدة من صور إسناد حركتين متباينتين إلى مرجع واحد , وهما ( الأفقية والعمودية ذهاباً وإياباً ) , كما لا يمكن اعتمادها دليلاً على ثبات سرعة الضوء مطلقاً في الخلاء , للسبب نفسه . ولبيان ذلك وبيان أن إسناد الحركتين المتعاكستين المنفردتين ( ذهاباً فقط أو إياباً فقط ) أو المتعامدتين المنفردتين , إلى مرجع واحد , هما الأصل والأساس في تقرير هذين الفرضين , نعود إلى تجارب مايكلسون - مورلي والسباحين وأينشتاين . أولاً : في الفرض الأول : حين افترض أينشتاين أنه لا يمكن تحديد حالة الجسم إن كان ساكناً أو متحركاً بانتظام , من خلال تجارب ضوئية – وكهربائية ومغناطيسية – تجري عليه , لم يكن لديه دليل تجريبي على صحة هذا الافتراض سوى تجربة مايكلسون ومورلي ؛ ولو افترضاً جدلاً أنه لم يكن على علم بهذه التجربة وأنه كان يحوز على أدلة على صحة افتراضه , فإننا نجد في تجربة مايكلسون ومورلي ما لا يدعم فرضه . لأنه لما كانت هذه التجربة قد أُقيمت على الأرض التي ترجحت حركتها 30 كم / ثا بدلالة الشمس أو الأثير الساكن , وعلى حركة الضوء في الأثير الساكن - أو في الخلاء - 300 ألف كم / ثا , فإن التقلص الذي خرجنا به نتيجة هذه المعطيات , لا يؤثر في نسبة حركتي الضوء المنفردتين المتعاكستين بالنسبة لمرجع واحد , وهو الأرض المتحركة بدلالة الشمس أو الأثير ؛ إذ تبقى نسبة الفارق بينهما كما كانت قبل رصد التقلص , لأن التقلص يعم جميع الجسم المتحرك . بمعنى آخر : إن التقلص المرصود , لن يجعل الإشارتين المتعاكستين في رحلتي ذهابهما فقط , تنطلقان في وقت واحد من نقطة واحدة على الأرض المتحركة , وتصلان في وقت واحد إلى هدفيهما على الأرض , كما هو حالهما عندما تكون الأرض ساكنة بدلالة الشمس أو الأثير . وبالعودة إلى تجربة السباحين , وبعد أن قررنا وجود التقلص , نجد أنه ؛ لو افترضنا أن السباق بين السباحين ( إشارتي الضوء ) كان بين جهتين متعاكستين , في رحلة ذهابهما فقط , وليس بين جهتين متعامدتين ذهاباً وإياباً أي : أن تكون النقطة ( أ ) في منتصف القطعة المستقيمة ( ب ج ) ويكون بُعد ( ب عن أ 100 م ) وبُعد ( ج عن أ 100 م )
1 – بالنسبة للمراقب الساكن بدلالة الماء , وعلى فرض أن النهر ( الأرض ) يتحرك بسرعة 3 كم / ثا بدلالة الماء ( أو الشمس ) ويتقلص - النهر - نتيجة هذه الحركة , مع فرض أنه لا يحدث تياراً أثناء حركته :
1 ) : زمن السباح الأول وسرعته 5 كم / ثا ( الذي يسبح في الأثير الساكن أو في الخلاء بعكس اتجاه حركة الأرض ) = 80 ÷ ( 5 3 ) = 10 ثا . 2 ) : زمن السباح الثاني , له نفس السرعة 5 كم / ثا ( الذي يسبح في الأثير الساكن أو في الخلاء باتجاه حركة الأرض ) = 80 ÷ ( 5 – 3 ) = 40 ثا .
2 - بالنسبة للمراقب على الأرض المتحركة بدلالة الماء , وعلى نفس ما افترضناه للمراقب الساكن :
1 ) : زمن السباح الأول = 100 ÷ ( 5 3 ) = 12.5 ثا . 2 ) : زمن السباح الثاني = 100 ÷ ( 5 – 3 ) = 50 ثا .
إن النتيجة واضحة ولا تحتاج إلى مزيد بيان , فالفارق بين وصول السباحين مازال باقياً على حاله ( 4/1 ) مع اعتبار التقلص ودون اعتباره , والسباحان لم يصلا إلى هدفيهما في وقت واحد , كما يصلان إلى هدفيهما النظيرين في وقت واحد ( بعد 20 ثا ) بالنسبة للمراقب نفسه حين يكون الماء والنهر ساكنين بالنسبة لبعضهما , وهذا يعني : أن نتيجة تجربة مايكلسون ومورلي لا تصلح كدليل معتبر على عدم إمكانية تحديد حالة الجسم من حركة منتظمة أو سكون , من خلال تجارب ضوئية تجري عليه , كما يعني أننا , لتقرير ذلك , مازلنا بحاجة إلى جهاز يقيس حركتي إشارتين ضوئيتين متعامدتين أو متعاكستين , في رحلتي ذهابهما فقط , أو في رحلتي إيابهما فقط ؛ وكوننا لم نحصل على هذا الجهاز بعدُ ( ولا أحسب أننا اليوم عاجزون عن الحصول على هكذا جهاز ) ولم نجرِ التجربة المطلوبة , لا يعني بحال من الأحوال , أنه لا يمكننا تحديد حالة الجسم إن كان ساكناً أو متحركاً بانتظام , من خلال تجارب ضوئية تجري عليه . ثانياً : في الفرض الثاني : حين افترض أينشتاين في تجربته الفكرية , أن الإشارتين الضوئيتين المتعاكستين في رحلة ذهابهما فقط , المنطلقتين داخل القطار المتحرك بدلالة المحطة , غير المتأثرتين بحركة القطار , تصلان إلى هدفيهما في وقت واحد ؛ لم يقدم دليلاً على ذلك , وإنما الراجح أنه اعتمد فيه على تجربة مايكلسون ومورلي في الحركتين المتعامدتين في رحلتي الذهاب والإياب معاً , لكل منهما . فقوله : ( لو افترضنا أن ضربتي البرق وقعتا داخل القطار , إحداهما في مقدمته والأخرى في مؤخرته , في وقت واحد بالنسبة للمراقب في القطار لحظة محاذاته للمراقب في المحطة , فإن المراقب في القطار سيسجل وقوعهما في وقت واحد . ) إن قوله هذا يحتاج إلى دليل قوي , وإن نتيجة تجربة مايكلسون ومورلي لا تصلح للاستدلال بها على ذلك كما مر مفصلاً في أولاً . بل إننا لنجد لتحقيق الفرض الثاني , وجوب تمدد طول النهر ( القطار أو الأرض ) جهة ( أ ب ) أمام السباح الأول ( من 100 م إلى 160 م ) ووجوب تقلص طول النهر نفسه ( القطار - الأرض ) جهة ( أ ج ) أمام السباح الثاني ( من 100 م إلى 40 م ) ليصل السباحان إلى هدفيهما بعد ( 20 ثا ) كما يصلان إلى هدفيهما بعد (20 ثا ) عندما يكون النهر والماء ساكنين بالنسبة لبعضهما . فهل يمكن أن يحدث ذلك ؟ ! أم إنه من المحال ؟ !
ثالثاً : في جزئية الفرض الثاني ( عدم وجود الأثير ) : إن افتراض أينشتاين عدم وجود الأثير , أي : عدم وجود تيار يؤثر على حركة الضوء , يقتضي ثبات سرعة الضوء مطلقاً لانفرادها وانفصالها عن كل مؤثر , وهذا يعني بالنسبة لحركة الضوء العمودية على حركة الأرض , أن تبتعد نقطة وصول الموجة في رحلة ذهابها عن موازاة نقطة انطلاقها مقدار حركة الأرض في الخلاء , ويتضاعف ابتعادها في رحلة إيابها , فتكون النتيجة أن لا تعود هذه الموجة إلى نقطة انطلاقها , فلا يمكن أن تلتقي مع الموجة الأفقية بحال من الأحوال ( وأما في تجربة مايكلسون ومورلي فقد كانت الموجة العمودية مرغمة على سلوك طريق متحرك محدد ) . وفي تجربة السباحين مع عدم وجود تيار مائي يؤثر على حركة أي من السباحين , خير دليل على ذلك , حيث نجد السباح الثاني يعود إلى النقطة ( ل ) التي تبعد 150 م عن ( أ ) باتجاه ( ب ) بحسب قياسات مساطر المراقب على الأرض , وتبعد 120 م بالنسبة للمراقب قي الماء أو الخلاء . وفي ذلك دليل قاطع على إمكانية تحديد حركة الجسم , بحركة الضوء غير المتأثرة بغيرها , إن كانت عمودية على حركة هذا الجسم .
وبناء على جميع ما تقدم ؛ فإن تجربة مايكلسون ومورلي غير صالحة لإثبات عدم إمكانية تحديد حالة الجسم إن كان ساكناً أو يتحرك بانتظام . وإن تجربة مايكلسون ومورلي غير صالحة لإثبات , ثبات سرعة الضوء مطلقاً في الأجسام المتحركة . وإن فرض عدم احتياج الضوء في حركته إلى حامل , وعدم تأثره بحركة غيره , فيه دليل قاطع على إمكانية تحديد حركة الجسم المنتظمة , بحركة إشارتي الضوء المتعاكستين فوق أو داخل هذا الجسم . وإن فرض عدم احتياج الضوء في حركته إلى حامل , وعدم تأثره بحركة غيره , فيه دليل قاطع على إمكانية تحديد حركة الجسم المنتظمة , بحركة الضوء العمودية على حركة هذا الجسم .
وللتأكيد على ذلك , فلننظر في التساؤلات التالية :
- إذا كان الضوء لا يحتاج إلى حامل وكان لا يتأثر بحركة غيره وكان طليقاً لم يُقيد في مسلكه وكان لحظة التقاء المراقبين , سقطت صاعقتا برق , فأثرتا في النقاط ( A و B ) و ( A فتحة , و B فتحة ) في نفس الوقت , فهل ستصل الإشارتان المنبعثتان داخل القطار , هل ستصلان معاً بعد ( س ) من الزمن , إلى النقطة الزرقاء ؟ أم إلى النقطة الحمراء ؛ بالنسبة للمراقب داخل القطار ؟ وكيف سيرصدهما المراقب خارج القطار ؟
- وإذا كان الضوء لا يحتاج إلى حامل وكان لا يتأثر بحركة غيره وكان طليقاً لم يُقيد في مسلكه وكان داخل جسم يتحرك بانتظام بفعل التحريك ( القطار ) وكان عمودياً على حركة هذا الجسم ؛
فهل يمكن أن ينعكس عائداً إلى نفس النقطة التي انطلق منها بالنسبة للمراقب داخل القطار ؟ أم سيعود إلى نقطة متأخرة عنها , بعكس اتجاه حركة القطار كما هو مُبين في الصورة التالية :
كلمة أخيرة : نظراً للهالة العظيمة التي تحيط بنظرية النسبية للعالم أينشتاين من حيث توافقها لتجارب معملية وتفسيرها لظواهر كونية , حتى غدا من يجتهد في مناقشتها ويُشير إلى شرودٍ ما في بنيتها , كمن يحاول المساس بالمقدسات أو البدهيات والمسلمات ... فقد آثرت التنويه إلى الأمرين التاليين : 1 - إلى أن وجود أي شرود أو خلل في بنية النسبية , لا يعني ذلك بحال من الأحوال انهيار أو تصدع البنيان العلمي والمعرفي الشامخ المتين الذي غاص بنا في أحشاء الذرات وأخذ بأيدينا إلى رحاب المجرات , وإنما يعني تصحيح بعض المسارات وتعديلها . 2 – وإلى أنه قبل مطالبة من يشير إلى ذلك الشرود بالبديل أو البحث عن هذا البديل , لا بد من التيقن أولاً من ترجيح وجود الشرود والإقرار به .