آآلـًٍسًٍـلآآمً عـًٍـلًٍـيًٍــكًٍـمًٍ وٍرٍحًٍـمًٍـهًٍـ الله وٍبًٍـرًٍكَـَآتـٍَّهـ
معيار نظريات النسبية وموقع نسبية أينشتاين منه
غني عن الذكر أن مفهوم نظريات النسبية ظهر في الأروقة العلمية مع مفهوم العطالة الذي وضعه العالم غاليليو وثبَّته العالم نيوتن في قانونه الأول من قوانينه الثلاثة في الحركة. ومن المشهور أن غاليليو عندما وضع هذا المبدأ كان قد دخل سفينة ليقيم فيها تجارب ميكانيكية وهي تتحرك يقيناً على وجه الماء حركة مستقيمة منتظمة. وبعد أن تم له ذلك وأقام تجاربه ووجد أن نتائج هذه التجارب تطابق نظائرها التي أجراها على اليابسة, وضع قانون العطالة الذي ينص على أنه: (لا يمكننا تحديد حالة الجسم هل هو ساكن أم يتحرك حركة مستقيمة منتظمة من خلال تجارب ميكانيكية تجري فيه) ومعنى ذلك أنه لو وضعنا جسمين في منتصف ظهر السفينة وتحركا, دون إعاقة, في وقت واحد وفي سرعة واحدة بالنسبة للسفينة, أحدهما باتجاه مقدمة السفينة والآخر باتجاه مؤخرتها, فإن الجسمين سوف يصلان إلى هدفيهما في وقت واحد سواء أكانت السفينة ساكنة أم تتحرك حركة مستقيمة منتظمة بدلالة الرصيف, وذلك أن حركة السفينة - تحمل - معها حركة الأجسام فيها. ولتعميم هذا المبدأ بين كافة الجمل العطالية بالنسبة إلى بعضها بعضاً, وضع غاليليو التحويلات الرياضية التي تُحقق ذلك, وهذا المبدأ مع التحويلات يُعرف اليوم بالنسبية الكلاسيكية. ولو افترضنا وجود قطارين (أ , ب) على سكتين متوازيتين يتحركان باتجاه بعضهما حركة مستقيمة منتظمة سرعتها (100كم/سا) بالنسبة إلى بعضهما, وكان في القطار (أ) سيارة تتحرك نحو مقدمة هذا القطار بدلالته بسرعة (50كم/سا) وفي القطار (ب) مراقب يراقب حركة السيارة في (أ) ويسجل سرعتها بالنسبة إلى (ب) فإن المراقب في (ب) وفق نسبية غاليليو, سواء أعتبر نفسه ساكناً أم متحركاً, فإنه سيسجل سرعة السيارة في (أ) بالنسبة له (150كم/سا). ويمكننا أن نستنتج من جميع ما تقدم (معياراً) نحدد بموجبه الحركة بين جسمين إن كانت نسبية أم ليست نسبية, ومفاده: (إذا سجل مراقب في جسم ما, مقادير تغيرات داخل جسم آخر يتحرك بالنسبة إليه, وبقيت هذه المقادير هي هي, سواء أدعى هذا المراقب أن الجسم الذي هو فيه ساكن أم متحرك حركة مستقيمة منتظمة بدلالة الجسم الآخر – وقُل مثل ذلك في الحركة المتسارعة - فإن الحركة بين الجسمين هي حركة نسبية) وهذا هو مفاد مفهوم التناظر الذي تقوم عليه نظريات النسبية. ولو طبقنا هذا المعيار على نظرية النسبية للعالم ألبرت أينشتاين, فماذا تكون النتيجة؟ غير خافٍ أن أينشتاين أقر بنسبية غاليليو بعد أن أضاف إلى مبدئها: (ولا كهرطيسية ولا ضوئية) وجعله أحد فرضي نسبيته حيث قال: (لا يمكننا تحديد حالة الجسم هل هو ساكن أم يتحرك حركة مستقيمة منتظمة من خلال تجارب ميكانيكية ولا كهرطيسية ولا ضوئية تجري فيه) وهذا يعني بجلاء تام أن الضوء يتأثر بحركة الجسم الذي هو فيه, كما مر آنفاً. ولكن أينشتاين بفرضه الثاني في نسبيته, أقر بما يناقض ذلك تماماً, إذ قال فيه: (حركة الضوء ثابتة في الخلاء سواء أكان المنبع ساكناً أم متحركاً وسواء أكان الراصد ساكناً أم متحركاً) أي: لا يؤثر الضوء ولا يتأثر بحركة غيره. وقد عمل أينشتاين عل حل هذا التناقض بين فرضي نسبيته بفرضين متممين, هما: تمدد زمن وانكماش طول الجسم المتحرك بالنسبة للساكن. لن نتعرض هنا إلى ما تضمنه هذان الفرضان ومتمماهما مجتمعين بين طياتهما, وإنما سيقتصر تحليلنا على النظر في نسبية أينشتاين, وفق معيار نظريات النسبية.
أولا: لنفرض وجود قطارين على سكتين متوازيتين يتحركان باتجاه بعضهما حركة منتظمة, وفي منتصف كل من القطارين يجلس مراقب, وأنه لحظة التقاء المراقبين أطلق المراقب في (ب) إشارتين ضوئيتين داخل قطاره (ب) إحداهما إلى مقدمة القطار والأخرى إلى مؤخرته, فكيف يسجل المراقب في(أ) وصول الإشارتين إلى هدفيهما في (ب)؟ فحين يدعي المراقب في (أ) أنه ساكن وأن (ب) يتحرك بدلالته, فإنه وفق نسبية غاليليو ونيوتن يمكنه أن يقول إن الإشارتين الضوئيتين سوف تصلان معاً إلى هدفيهما, لأن حركة الضوء في نسبيتهما كسائر المتحركات تتأثر بحركة القطار, وكذلك ستصل الإشارتان إلى هدفيهما معاً حين يدعي (أ) أنه يتحرك وأن (ب) ساكن بدلالته. وأما في نسبية أينشتاين التي تفرض ثبات سرعة الضوء مطلقاً في الخلاء, فحين يدعي المراقب في (أ) أنه ساكن وأن (ب) يتحرك بدلالته, فسوف يدعي وصول الإشارة المتجهة إلى مؤخرة القطار قبل المتجهة إلى مقدمته, لأن حركة الضوء لا تتأثر بحركة القطار, ولكن مؤخرة القطار تتقدم لملاقاة الإشارة المتجهة نحوها, بينما تهرب مقدمة القطار من الإشارة المتجهة إليها. وحين يدعي المراقب نفسه الذي في (أ), أنه متحرك وأن (ب) ساكن بدلالته, فسوف يدعي وصول الإشارتين معاً إلى هدفيهما في (ب), لأن القطار(ب) ساكن والإشارتان تتحركان داخله, فلا مؤخرة (ب) تتقدم من الإشارة الضوئية ولا مقدمته تهرب منها. فههنا تناقض واضح كل الوضوح بين الادعائين للمراقب نفسه في (أ) بين كونه ساكناً وكونه متحركاً بانتظام, وفي هذا دليل ظاهر جلي على أن نسبية أينشتاين غير خاضعة لمعيار نظريات النسبية.
ثانياً: يقتضي معيار نظريات النسبية, التأكيد على أن جواز الادعاء بالسكون والحركة لجسم ما في وقت واحد, ليس لأنه كذلك فعلاً, وإنما لجهلنا المطبق في تعيين أحدهما, جراء قصور أدواتنا عن تحديد حاله إن كان ساكناً فعلاً, أو كان يتحرك بسرعة مستقيمة منتظمة فعلاً نتيجة قوة أثرت فيه ثم رُفعت عنه. فهو إما ساكن فعلاً وإما متحرك فعلاً. وأما نسبية أينشتاين؛ فإنها لا تستقيم مع التأكيد على أن تمدد الزمن وانكماش الطول يمكن أن يكونا ظاهريين أو فعليين في جسم ما, لأن هذا يعود بها إلى الزمن المطلق والطول – المكان- المطلق, التي أُسست على نقضهما.
ثالثاً: يقتضي معيار نظريات النسبية, أنه يجوز أن يتفق المراقبان على سكون أحد الجسمين وحركة الآخر بدلالته, كأن يتفقا على سكون (أ) و حركة (ب) بدلالته, أو العكس. وهذا يعني أيضاً وجود زمن مطلق وطول مطلق, وقطعاً لن تخضع نسبية أينشتاين لهذا المقتضى من مقتضيات معيار نظريات النسبية.
رابعاً: يقتضي معيار نظريات النسبية, أنني إذا كنتُ في الجسم (أ) وادعيتُ أن نظيره الجسم (ب) يتحرك بدلالة (أ) حركة مستقيمة منتظمة, فإن الجسم (ب) - وفق نسبية أينشتاين - يتمدد زمنه وينكمش طوله الموافق لجهة حركته بالنسبة إلى (أ). وإذا ادعيتُ أن الجسم (أ) نفسه الذي أنا فيه هو الذي يتحرك بدلالة (ب) فإن الزمن عندي يتمدد والطول الموافق لجهة حركتي ينكمش بالنسبة إلى (ب), وهذا يعني أنه لا يمكن الجزم بأن الجسم الآخر ينكمش طوله ويتمدد زمنه بالنسبة لي, كما لا يمكن الجزم أن طولي ينكمش وزمني يتمدد بالنسبة إليه (لأن الادعائين جائزان) وبناء على ذلك؛ فإن معضلة التوأمين ومعضلة القطار والنفق وما جرى مُجراهما, الناتجة عن نسبية أينشتاين, لا يمكن أن يوجد لها حلول معتبرة, مهما تكلف المتكلفون في صنعها. لأن كل واحد من التوأمين لا يمكن أن يكون أكبر وأصغر من شقيقه في وقت واحد, وكذلك لا يمكن أن يكون كلٌٌّ من القطار والنفق أطول وأقصر من الآخر في آن معاً...
وبعدُ؛ فإذا كانت نظرية أينشتاين النسبية غير خاضعة لمعظم مقتضيات معيار نظريات النسبية, فماذا تكون هذه النظرية؟ وبماذا نصفها؟ وماذا يبقى من مفاهيمها ومعطياتها النسبية في الزمان والمكان؟