آآلـًٍسًٍـلآآمً عـًٍـلًٍـيًٍــكًٍـمًٍ وٍرٍحًٍـمًٍـهًٍـ الله وٍبًٍـرًٍكَـَآتـٍَّهـ
فيزيقا الكم ومنطق العلم
العلم هو المعرفة الخالصة وأكثرنا علماً أكثرنا معرفة والعالم الأستاذ وسع كرسيه محاولة النظر في فرع من فروع العلم. والعالم الأكبر جل وعلا وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.
وسلاح العلم ككل سلاح كالسلاح العادي: إذا حمل شخص سلاحاً واستخدمه لتحرير وطنه سمي محارباً وسمي السلاح أداة حرب وإذا حمل نفس الشخص نفس السلاح واستخدمه سلباً ونهباً وتقتيلاً سمي مجرماً وسمي السلاح أداة جريمة فالتسمية ترمز للهدف ويكنى بها صاحب الهدف .... وللعلم أهداف يكنى بها، أهداف لا تمس طبيعته .. فالعلم هو العلم. إن أردته تطبيقاً حملته كسباً ....
والتجريد هو توجيه العلم بأسلحته من أنماط وفروض وقوانين ناحية الظاهرة الطبيعية قصد تعليلها خالصة لوجه العلم ولذات العلم. والتطبيق هو توجيه العلم بأسلحته من أنماط وفروض وقوانين نحو مشكلة قصد الوصول بحلها إلى نفع عام يعود بالخير على الإنسانية والمجتمع والعلم بحتاً أو تطبيقاً. نظراً أو تجريباً له منطق واحد وإن اختلفت الأهداف وتباينت الوسائل. وهو منطق يؤدي إلى وحدة المعرفة وتوحيد القوانين عن طريق البساطة والسهولة والنظام والإنتظام ....
لعل ذلك بدأ يوم أن جال الإنسان ببصره يتسأل عن حكمة الوجود ويربط بين فكرة وفكرة يبحث عن علة ما يراه من ظواهر طبيعية. ويخطط لها ويعد على أصابعه والإنسان بفطرته يبحث عن العلل ويرحب بقلتها مع شمولها.
ولن أتتوغل في القدم ولكني أكتفي بخمسة قرون قبل ميلاد السيد المسيح لأجد فيثاغورث يتمسك بالرباعيات .... فأساس المادة رباعية هي الأرض والماء والنار والهواء .. وأساس خواص المادة رباعية أخرى هي الجفاف والبرودة والحرارة والرطوبة. بل أساس المعرفة كافة رباعية من العلوم هي علم الهندسة وعلم الحساب وعلم الفلك وعلم الموسيقى ....
ويختص كل علم برباعية هي أصوله. فأصول علم الهندسة رباعية هي النقطة والخط والسطح والجسم .... وأصول علم الفلك رباعية عددية مكونة من أربعة أعداد هي بداية الأعداد من واحد إلى أربعة. وهذه الأعداد هي أيضاً أصول علم الموسيقى فالفترات الموسيقية هي نسب أو كسور مقام الكسر أو بسطه هو أحد هذه الأعداد الأربعة.
ملكت الأعداد عليهم الحس وكأن عالمهم قد أُنشئ على قوائم أربعة ثم مرت العدوى وجاء أفلاطون يحمل لواء الرباعيات بعد أن صبغها بصبغته وغير وعدل وأصبحت له رباعيتان عدديتان ألمس من ثنايا هذا التعديل نظاماً .... إذ ترى في إحدي رباعيتي أفلاطون التي بدأها من بداية الأعداد. قد جعل العدد الثاني ضعف العدد الأول والعدد الثالث ضعف العدد الثاني والعدد الرابع ضعف العدد الثالث أي كل عدد ضعف العدد الذي قبله (1، 2، 4، 8) ونجد في الرباعية الأخرى التي بدأت أيضاً من البداية أن العدد الثاني ثلاثة أمثال العدد الأول والعدد الثالث ثلاثة أمثال العدد الثاني والعدد الرابع ثلاثة أمثال العدد الثالث أي كل عدد ثلاثة أمثال العدد الذي قبله (1، 3، 9، 27) أليس هذا نظاماً وإنتظاماً وجنوحاً إلى كمال.
لا يصبح أن ننظر إلى هذه الأعمال من قمة ما وصلنا إليه من معرفة تراكمت مع الزمن وأتت إلينا مع الأجيال على أيدي العلماء الحكماء .... بل يحسن أن ننظر إليها بعين المبتدئ، بعين الواقع في ذاك الحين .... حين من الدهر لم يكن شيء مذكوراً .... يوم أن بزغ العلم وبدأ الخيط الأبيض ينسل ويبين ....
هناك كمال جديد هو كمال الحركة، وكمالها أن تكون حول دائرة أعني حركة دائرية، حركة على بُعد ثابت من مركز لا يتغير، وتمتاز الدائرة بمحيطها والمحيط يحدد سطحاً والسطح له مساحة. لو حددنا هذه المساحة بمحيط على شكل دائرة لكان طول المحيط الجديد أكبر من طول المحيط الدائري أي أكبر من محيط الدائرة لذا كان كمال الدائرة أنها النهاية الصغرى لأي طول يمكنه أن يحيط مساحة ما وليس هذا بقول جديد بل هو رأي قديم نادى به أرسططاليس. ولعل أرسططاليس أول من وجه أنظار العلماء إلى النهاية الصغرى وركز عليها الأنظار فبدأت محاباة علمية نحو القصير الأقصر. فمن أراد أن يتحرك في كمال حول مساحة ما وجب أن يختار القصير الأقصر من الطرق وهو طريق الدائرة وسميت هذه الحركة بالحركة البسيطة وشاركتها البساطة الحركة المستقيمة فالخط المستقيم هو القصير الأقصر من الطرق بين نقطتين ....
ولعلها لمحة علمية أن يعطي أرسططاليس النهاية الصغرى أهمية كبرى تغلغلت في العلم ودغعته دفعة قوية نحو الطريق المقدر. إن هذه اللمحة كانت إيذاناً ببداية نهضة علمية حقة تتجه إلى التوحيد في يسر وسهولة وتسلسل عبر الأجيال .... وإني أراها تلعب دوراً حاسماً في تطور العلم من يوم أن نادى أرسططاليس بهذا المبدأ .... ويبين هذا أول ما يبين في براعة ووضوح في أعمال هيرو الأسكندرية إذ أثبت عملياً وبرهن نظرياً أن العين تستقبل بعضاً من النور المنعكس من مرآة لأن هذا البعض اختار الطريق القصير الأقصر إليها ....
وإني أحب أن أصل ما بين الأمس واليوم بأقصر طريق في أقصر وقت، لذا أجدني مضطراً لأن أسرع معتذراً عن عدم ذكر كثير من العلماء العظماء .... ولرغبتي في الإسراع ترددت أن أذكر نيوتن ذلك العالم العملاق الذي رجع ببصره إلى الماضي وصاغ ما توصل إليه سابقوه من خبرة مع إضافات ارتآها .... صاغها في قوانين تنسب إليه عرفت بقوانين نيوتن للحركة أمكنه بهذه القوانين أن يعلل حركة الكواكب كما وصفها كبلر وصفاً دقيقاً في ثلاث وصفات. ثم أثبت نيوتن أن وصفات كبلر تخرج من صلب الفرض القائل أن كل كوكب في كل لحظة له قوة متبادلة بينه وبين الشمس تقل مع بُعد الكوكب عن الشمس مضروباً في نفسه .... أخد نيوتن يطبق هذا الفرض .... طبقه على حركة الأرض والقمر والكواكب الأخرى حتى ارتفع الفرض إلى قانون عرف بقانون التربيع العكسي، يدرس طالب العلم هذا القانون ويتكرر معه بصورة المناسبة في الكهرباء والمغناطيسية والضوء والصوت وخواص المادة وأقول أن ظهر القانون أول ما ظهر في علم الميكانيكا مع الجاذبية الأرضية ومع حركة الكواكب حيث لا تصادم ولا تقارب ولا ابتعاد، إن فطرة طالب العلم المتأمل في علمه وفي قانون يتكرر في أكثر من فرع من فروع علمه تؤدي به إلى إلهام صحيح هو أن منطق العلم منطق الوحدة، منطق للتوحيد، ولكن العالم الباحث المدقق يحتاج إلى نظرة أشمل وأعمق ليشعر أن هذه البشائر هي مؤثرات حقيقية ....
لذا كان جل علماء الرياضيات وكذلك علماء الفلك وعلماء فيزيقا في القرنين الثمن عشر والتاسع عشر أن يرتفعوا بعلم الميكانيكا إلى مرتبة رفيعة تتطلع إليها جميع العلوم. فبحثوا مؤثرات النشاط وقرروا أن يقرنوا بين الكتلة والسرعة فكان عنوان النشاط كتلة الجسم مضروبة في سرعته وهذه هي كمية التحرك. ثم جنحوا إلى دقة أكثر لذا عزموا أن يقرنوا بين كمية التحرك والمسافة فكانت الكتلة في السرعة في المسافة هو الفعل كما يسميه العلماء.
سرى هذا الفعل مبدأ القليل الأقل .... فالطريق المطروق هو الذي يسمح بالقليل الأقل من فعل الطارق أي يسمح ببذل فعل هو النهاية الصغرى عند المقارنة ....
وهكذا اعتقد العلماء اعتقاداً علمياً راسخاً أن جميع العلوم مبنية على المبدأ الشهير المسمى مبدأ الفعل القليل الأقل الذي استخدمه موبرتويه إذ أعلن أن البساطة تجعل الأجسام في الطبيعة تعمل بطريقة تكون فيها كمية معينة يقال لها الفعل نهاية صغرى.
وصل موبرتويه إلى هذه النتيجة ببرهان رياضي ولكن يشد الإنتباه قول موبرتويه أنه يعتقد أن الحكمة الإلهية تبين بأجلي بيان وتمثل أجمل تمثيل في ثنايا هذا المبدأ الذي جعل حركة الأجسام تأخذ مجراها مع نهاية صغرى لكمية تسمى الفعل وهي كمية تحرك في مسافة ما، وبقليل من جهد يرى أن الفعل هو أيضاً طاقة في زمن ما.
يحمل هذا المبدأ على مر السنين العبء الأكبر في النهضة العلمية الحديثة ويمرق مروق السهم إلى الهدف زمن عجيب أمر هذا المبدأ أنه تحدث عن كمية يمكن قياسها ويمكن استيعابها حساً وشعوراً مهما كان الزمان والمكان.
وكان هذا المبدأ ندءاً لميلاد "لا تغير" أعني نداءاً لمبدأ البحث عن الحقيقة فالحقيقة لا تعتمد على إسناد. ففعل الحقيقة في العلم هو فعل جاد يأخذ شكلاً أو هيكلية ما لا تتغير أو تتصرف محما كانت الظروف.
ولن أذكر فرمات وإعلانه نهاية صغرى لزمن مسار الضوء إذ يشغلنا عنه فحل من فحول العلماء هو هاملتون الذي استوعب مبدأ موبرتويه وغاص إلى جذوره ورفع بفضله علم الميكانيكا ليشرف ويسيطر أيضاً على حركة الموائع وعلى علم الصوتيات وعلى علم البصريات ثم جاء علماء من بعده ساهموا في تقوية علم الميكانيكا وامتد نفوذه واخضع له قانون عصا شموس وهو القانون الذي يضع نظاماً لحركة تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية أو ما يُسمى بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية حيث القانون الأول هو إمكانية التحويل، وبذلك القانون الثاني العصى الشموس بعضاً من علم الميكانيكا. والأيام لا تصفو دائماً أبداً فإذا بعلماء الضوء يتمردون على النظرية الميكانيكية وقد كشفوا طبيعة موجية للضوء.
وشاء القدر العلمي أن يحفظ للعلم وحدته فكان من تربص بالضوء خيراً وأجلاه عن انفراده عن الجماعة إلى الجماعة إلى الوحدة الكبرى إلى التوحيد. وكان من أعلن نظرية متكاملة جعلت الضوء بعضاً من إشعاعات تغمر الكون ويسري عليها قوانين توحد بين الكهرباء والمغناطيسية.
ثم كانت محاولات ناجحة تطلب سد ثغرات بين النظرية الميكانيكية والنظرية الكهرومغناطيسية.
ثم أخذ بيد من يحاول رأب الصدع الكاشفون عن ذرية الكهرباء .... وقديماً كشف عن ذرية المادة فسرى التقطع على المادة والكهرباء على حدٍ سواء. وأصبحت المادة من ذرات وفي تكوين الذرات وحدات كهربائية موجبة وسالبة .... وبناء على ذلك دعمت النظرية الكهرومغناطيسية لتشمل الوحدات الكهربائية .... بهذا تجدد الأمل إلى بداية القرن العشرين حيث تعكر الجو وما ظن بداية عهد جديد ظهر أنه يحوي في سمائه ما يبعده عم الوحدة المنشودة.
ولعل هذا أمر طبيعي فالعلم أي علم، علم الفيزيقا مثلاً، يختص بجانب من جوانب المعرفة البشرية ويرسم الباحث فيه من نسيج هذه المعرفة صورة للعالم الذي يعيش فيه ويقنع باتفاقها والتجربة التي عن طريقها حصلت المعرفة .... ويدقق الباحث حتى لا يشوب التجربة شائبة فيتخذ ما يكفل لامتها وينأى بها عما يفسدها .... فالدقة في القياس واجبة وتحقيق هذه الدقة أوجب. ولكن يحد من الدقة ما تحت اليد من أجهزة وآلات لذا كان حتماً أن تُعاد التجربة من وقت إلى آخر تمشياً مع تطور الأجهزة والآلآت .... وقد وُجِدَ أن مراجعة التجربة بأجهزة متطورة تصل بنا إلى أحد إحتمالين .. الأول سلامة النسيج واتساع أفق المعرفة مع إضافات مبتكرة إلى الصورة التقليدية، والثاني ظهور ما كان خافياً من عيوب في النسيج مما يوجب إعادة النظر في المعرفة لاستخلاص سليم لصورة حديثة تمتاز وقد جاءت نتيجة لجلاء الرؤية أنها محكومة بقوانين أعم من القوانين التقليدية التي غالباً ما تُظهِر حالة خاصة من القوانين الحديثة، وهكذا يتطور العلم وتتقدم المعرفة.
ولعل طبيعة الأمر تكمن في الإحتمال الثاني، إذ ظهر في بداية القرن العشرين ما كان خافياً من عيوب في النسيج مما استوجب إعادة النظر في المعرفة لاستخلاص صورة جديدة إذ جاءت التجربة بسحب داكنة زعزعت اليقين في احتمال الاحتفاظ بالصورة التقليدية. وكان أن جاءت النظرية النسبية لأينشتاين لتزيل بعضاً من السحب الداكنة واحتوت الماضي وجعلته خطوة مستنتجة من خطواتها ووثقت عرى الإتحاد وتمسكت بالتجربة ولو كانت نتائجها على غير الملموس والمألوف المتداول .... وأنكرت ما لا تحسه فالنسبية تتمسك بالواقعية، تقبل الظواهر الطبيعية على علاتها وإن جاءت على خلاف العادة المتبعة .. فالنور يمر في الفراغ الخلو من المادة بسرعة ثابتة جامدة مطلقة لا تحتاج إلى إسناد .. ولا يختلف إثنان في نتيجة قياس قيمتها مهما كان اختلاف ظروفهما أو ظروف تجربتهما .. والتسليم بنتيجة هذه التجربة تسليم بالواقع التجريبي .. ولحكمة واضحة ضاقت النظرية النسبية بالوجود وفضلت عليه العدم وذلك إذا تساوى الوجود مع عدم الوجود.
ولا عجب إذن إذا ضاقت النسبية بالأثير وسطاً يحمل النور إلينا وفي إمكان النور أن يصل في غير وسط .. ثم جعلت النسبية للنور مركز الإمتياز فكانت سرعته في الفراغ مطلقة ثابته دائماً حتى ولو كان للراصد سرعة تُقارب سرعة النور .... وكذلك أنكرت النسبية المركزية في العالم وجعلت كل منطقة كفيلة بقوانينها وإن تشابهت القوانين. فقد قدست شكل القوانين وحفظت للشكل هيكليته مهما كانت الأحوال .... وبينت النظؤية النسبية ألا يصح أن نستنتج سلوك الأجسام المتحركة بسرعات كبيرة من سلوكها عندما تتحرك بسرعة بطيئة ولكنها سلمت بالعكس فالعكس صحيح بمعنى أن الحركة البطيئة حالة خاصة من الحركة السريعة .... والزمن عندها يبطئ ويسرع حسب الحركة، والمكان يستطيل وينكمش حسب الحركة. والكتلة أيضاً فقدت معناها إذ تزداد بازدياد السرعة .. ويحسن أن أقرر أن هذه الظواهر اتفقت والتجربة .. وأضيف أن النسبية أنكرت وجود زمان بمفرده ووجود مكان مستقل بمفرده وبينت أن بساطة العلم في تفسير الظواهر الطبيعية تحتم إندماج الزمان والمكان حيث لا يمكن تمييز شقيه. وهناك اتحاد لا يقل أهمية عن هذا الإندماج، فأصبحنا نعجز عن التمييز بين الكتلة والطاقة حتى إننا وجدنا طاقة الجسم الساكن هي كتلته الساكنة لو اتخذنا سرعة الضوء وحدة للسرعات وبذلك وضعت الكتلة تحت وصاية الطاقة .... بل هناك إذابة لا تقل عن الإندماج والإتحاد وهي إذابة الطبيعة في الشكل الهندسي فأصبح مجال التجاذب الطبيعي أو ما يُسمى بالتثاقل ليس مجال قوة فيزيقية بل هو مجال هندسي غير منبسط وغير متزود بقوة ما. والحيز الخلو من المادة والكهرباء والإشعاعات حيز منبسط لو أردت وصفه وتحديد مواقعه استعنت بهندسة إقليدس، ولكن إذا دخلت على الحيز أجساماً مادية أو كهرباء أو إشعاعات إلتوى الحيز وأصبح جزء منه ملتوياً لو أردت وصفه وتحديد مواقعه ما أسعفتك هندسة إقليدس ولكن تلجأ إلى هندسة أخرى لا تعترف بإستقامة أقصر خط يصل بين نقطتين. وكما لا ينبغي للمرء أن يجري قياسات بالمسطرة على سطح غير منبسط كالكرة، كذلك لا ينبغي أن تستخدم هندسة إقليدس في حيز غير منبسط، ومن خصائص إلتواء الحيز أن المادة تنحدر إلى أسفل ولا أقول تنجذب، وعليه يصبح المجال هندسياً محضاً لا علاقة له بقوى الطبيعة التثاقلية. وبذلك أصبح لا معنى لقانون التربيع العكسي فكان فرضه خداعاً ناتجاً عن انفصام الزمان عن المكان أعني كان حتماً اختفائه وقد أصبح هناك إندماجاً بين الزمان والمكان فأصبح هناك زمكان.
إن جميع ما قيل ثبت بالتجربة تحقيقاً وفي الوقت نفسه فإن الفعل بنهايته الصغرى اتخذ مكاناً مكيناً في النظرية النسبية واتسع مجاله باتساع النظرية وشمولها. وبذلك بددت النظرية النسبية بعضاً من السحب الداكنة وبقى البعض.
فقد عجز العلماء حتى أوائل القرن الـ 20 عن معرفة سر استقرار الذرة وعجز العلماء أيضاً عن معرفة السر في اختلاف طاقات إشعاعات جمعها فرن ملتهب واحد، محافظ على درجة حرارة واحدة، بل عجز العلماء أيضاً عن تفسير السر في تناقص الحرارة الذرية لعنصر واحد مع برودة الجو المحيط به. وعجز العلماء أيضاً عن تفسير أن بصيصاً من نور أزرق أقدر من أحمر مهما قل الأزرق وكثر الأحمر.
أزيلت أغلب هذه السحب على يد العالم الألماني ماكس بلانك إذ فرض وجود وحدة ثابته للقعل سُميت ثابت بلانك وجعلاها تصول وتجول في ميدان الإشعاعات .. والفعل يُقدر بالتكرار العددي لوحدته .. وبذلك حكم بالتقطع على الإشعاعات وأصبح الضوء مُصاباً بازدواج الشخصية نَصِفَه بالاستمرار أحياناً لأننا نراه كذلك، ونَصِفَه بالتقطع أحياناً أخرى لأنه يتصرف كذلك. فهو موج أحياناً وحُبيبات أو كمات أحياناً أخرى .... عند ذلك ظهرت النظرية الكمية وبالتالي فيزيقا الكم ويتبعها الضوء عندما نريده كماً ويتبع الضوء النظرية الموجية عندما نريده موجاً. وتحترم إحداهما الأخرى، فعندما تظهر إحداهما تختفي الأخرى، وهذا عرض أساسي من أعراض إزدواج الشخصية .. إحداهما مكملة للأخرى .. وفوق كل هذا تشترك الشخصيتان في إحترام مبدأ القليل الأقل من الفعل، فيحترم الكم القليل الأقل من الفعل مع تقطعه وقفزاته والموج يحترمه مع إستمراره وإنسيابه أزيلت السحب الداكنة .. أزالها ماكس بلانك وساعده علماء كثيرون وبقي استقرار الذرة دون تفسير حتى زوج العالم الدينماركي بوهر النظرية الكمية النظرية الميكانيكية. وكان زواجاً لا يقره المنطق المجرد وإن استساغه المنطق العلمي إذ جعلت مناطق معينة في الذرة على أبعاد معينة من مركزها تقبل مبدأ الفعل ويقدر بالتكرار العددي لوحدته ويرمز عدد إلى المنطقة ويدل على بُعدها عن المركز والمنطقة الأقرب إلى مركز الذرة يُرمز لها بالعدد واحد، ويرمز للمنطقة الثانية بالعدد اثنين وهكذا ....
وجعل بوهر المناطق ترفض بعض القوانين التقليدية ولا تعترف بصحة سريانها فهي تختار ما يحلو لها ويوافقها من قوانين ميكانيكية وترفض مالا ترضاه. ثم جعل التنقل بين المناطق وثباً في غير إنسياب إذ حرمت الحركة في غير هذه الأماكن.
وصبر العلم وقد وافقت النظرية التجربة في أكثر من موضع وظن أن السحب الداكنة قد انقشعت. ولكن النفس العالمة لا تصبر كثيراً على عوج حتى أننا رأينا العالم العلمي يُشارك في بناء جديد، ومن نتاج البناء الجديد أن أصيبت المادة بمرض إزدواج الشخصية كما أصيب الضوء من قبل. فهي ذرات أحياناً وهو أمواج أحياناً أخرى. وعليه أصاب إزدواج الشخصية المادة والطاقة معاً.
ولعل هذا يؤكد ما ذهبت إليه النظرية النسبية في إقرارها وحدة المادة والطاقة معاً. كان حتماً أن تتطور النظرية الكمية وتكون دعامتها مبدأ القليل الأقل من الفعل لتستجيب بحق للأوضاع الجديدة وتفسر استقرار الذرة وغير الذرة من ظواهر غامضة وفسرتها بنجاح وأصبح لها ميكانيكا خاصة بها، ميكانيكا الكم، لها منطقها الواقعي .. تعترف بالمحسوس المقيس. ولعلها الآن قديرة على تفسير الظواهر الطبيعية في يُسر وسهولة مع بصيرة واعية، ورغم هذا فقد رأي العالم الألماني هايزنبرج أن للعلم حدوداً نهائية لا يتعداها يقيناً .. فهناك منطقة لا يصل إليها علم العلماء على وجه اليقين، ولهم أن يدققوا في القياس ولا يقربوا هذه المنطقة حيث إذا أرادوا الدقة في عملية طففوا في أخرى.
وعلى سبيل المثال إذا أرادوا الدقة في قياس المسافة ظلموا كمية التحرك، وإذا أرادوا الدقة في قياس الزمن أغاروا على الطاقة، وقد عرفنا أن الفعل هو كمية تحرك في مسافة أو هو طاقة في زمن.
فكأن الفعل مركب من شقين إذا دققنا في شق تسامحنا مع الشق الثاني. ومهما كان التسامح فحسبنا أن نقول إن للفعل شأناً في جميع ميادين الذرة حيث يتوه العلم الحديث فيها على صغرها إذ اختفى أمامه وجه اليقين وبانت الأمور على وجه الترجيح .... وأخيراً عكف العالم الإنجليزي ديراك يبحث عن التوحيد ويسارع بعقد زواج بين النظرية التي تبحث في الميادين الصغيرة والنظرية التي تبحث في الميادين الكبيرة والصغيرة على حدٍ سواء، أعني سارع بعقد زواج بين النظرية الكمية والنظرية النسبية وكان النتاج أن أضيفت إلى الحقائق الطبيعية حقائق هامة جديدة فلم يكتف بالفعل الذي يقوم به جسيم أي جسيم بل زِيدَ عليه فعل ذاتي بالإضافة إلى ما يقوم به من فعل وسُمي الفعل الذاتي بفعل اللف أي لف الجسيم حول نفسه دوراناً. أضيفت هذه الخاصية إضافة طبيعية وبذلك استقامت الحقائق وأمكن العلم أن يفسر ظواهر طبيعية جديدة في يُسر وسهولة دون تكلف وإعمال فرض غريب عن النظرية.
ويتحقق لنا أيضاً أمراً مهماً نتيجة لهذا الزواج وهو جواز وجود طاقة سالبة قدر جواز وجود طاقة موجبة ومعنى هذا إحتمال وجود المادة وضدها.
وبدأت التجربة وثبت ما ذهبت إليه النظرية من وجود إلكترون وإلكترون ضد أو ما يُسمى البوزيترون وكذلك البروتون والبروتون الضد والنيوترون والنيوترون الضد والنيوترينو والنيوترينو الضد والميزون والميزون الضد.
ومن يدري ونحن هنا سكان هذا العالم ربما كان هناك عالم ضد وسكان ضد !!!
كل هذا حفز العلماء واتجه كثير منهم نحو التوحيد يُساهم في تحقيقه مما لا مجال لذكره وسنلتقي في هذا الكتاب بتوضيح ما أجملناه في هذه المقدمة.