وهو حالة تدعو الى الاعجاب بالنفس، والتعاظم على الغير، بالقول أو الفعل، وهو: من أخطر
الأمراض الخلقية، واشدها فتكاً بالانسان، وأدعاها الى مقت الناس له وازدائهم به، ونفرتهم منه.
لذلك تواتر ذمه في الكتاب والسنة:
قال تعالى: «ولا تصعّر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحاً إن اللّه لا يحبُّ كل مُختال فخور» (لقمان: 18)
وقال تعالى: «ولا تمش في الأرض مرحاً، إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا»
(الاسراء:37) وقال تعالى: «إنه لا يحب المُستكبرين»
(لقمان: 23)
وقال تعالى: «أليس في جهنم مثوى للمتكبرين»
(الزمر: 60)
وقال الصادق عليه السلام: «إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع للّه رفعاه. ومن تكبر وضعاه»(1).
وقال عليه السلام: «ما من رجل تكبر أو تجبر، إلا لذلة وجدها في نفسه»(2).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «إن أحبّكم إليّ، وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً، أحسنكم خلقاً، وأشدكم تواضعاً، وإن أبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون، وهم المستكبرون»(1).
فمن مساوئ التكبر وآثاره السيئة في حياة الفرد:
أنه متى استبد بالانسان، أحاط نفسه بهالة من الزهو والخيلاء، وجُن بحب الأنانية والظهور، فلا
يسعده إلا الملق المزيف، والثناء الكاذب، فيتعامى آنذاك عن نقائصه وعيوبه، ولا يهتم بتهذيب
هذا إلى أن المتكبر أشد الناس عُتوّاً وامتناعاً عن الحق والعدل، ومقتضيات الشرائع والأديان.
ومن مساوئ التكبر الاجتماعية:
أنه يُشيع في المجتمع روح الحقد والبغضاء، ويعكّر صفو العلاقات الاجتماعية، فلا يسيء الناس
ويستثير سخطهم ومقتهم، كما يستثيره المتكبر الذي يتعالى عليهم بصلفه وأنانيته.
إن الغطرسة داء يُشقي الانسان، ويجعله منبوذاً يعاني مرارة العزلة والوحشة، ويشقي كذلك
المرتبطين به بصنوف الروابط والعلاقات.
بواعث التكبر:
الأخلاق البشرية كريمة كانت أو ذميمة، هي انعكاسات النفس على صاحبها، وفيض نبعها، فهي
تُشرق وتُظلم، ويحلو فيضها ويمرّ تبعاً
لطيبة النفس أو لؤمها، استقامتها أو انحرافها. وما من خلق ذميم إلا وله سبب من أسباب لؤم
النفس أو انحرافها. فمن أسباب التكبر: مغالاة الانسان في تقييم نفسه، وتثمين مزاياها وفضائلها، والافراط في
الاعجاب والزهو بها، فلا يتكبر المتكبر إلا اذا آنس من نفسه علماً وافراً، أو منصباً رفيعاً، أو ثراءً ضخماً، أو جاهاً عريضاً، ونحو ذلك من مثيرات الأنانية والتكبر.
وقد ينشأ التكبر من بواعث العداء أو الحسد أو المباهاة، مما يدفع المتصفين بهذه الخلال على تحدي الأماثل والنبلاء، وبخس كراماتهم، والتطاول عليهم، بصنوف الازدراءات الفعلية أو القولية، كما يتجلى ذلك في تصلفات المتنافسين والمتحاسدين في المحافل والندوات.
درجات التكبر:
وهكذا تتفاوت درجات التكبر وابعاده بتفاوت أعراضه شدّةً وضعفاً.
فالدرجة الاولى: وهي التي كَمِن التكبر في صاحبها، فعالجه بالتواضع، ولم تظهر عليه أعراضه ومساوئه.
والدرجة الثانية: وهي التي نما التكبر فيها، وتجلت أعراضه بالاستعلاء على الناس، والتقدم عليهم
في المحافل، والتبختر في المشي.
والدرجة الثالثة: وهي التي طغى التكبر فيها، وتفاقمت مضاعفاته، فجُنَّ صاحبها بجنون العظمة،
والافراط في حب الجاه والظهور، فطفق
(3) - التكبر على الناس:
وذلك بازدرائهم والتعالي عليهم بالأقوال والأفعال، ومن هذا النوع التكبر على العلماء المخلصين،
والترفع عن مسائلتهم والانتفاع بعلومهم وارشادهم، مما يفضي بالمستكبرين الى الخسران
والجهل بحقائق الدين، وأحكام الشريعة الغراء.
علاج التكبر:
وحيث كان التكبر هوساً أخلاقياً خطيراً ماحقاً، فجدير بكل عاقل
أن يأخذ حذره منه، وأن يجتهد - إذا ما داخلته أعراضه - في علاج نفسه، وتطهيرها من مثالبه،
وإليك مجملاً من النصائح العلاجية:
(1) - أن يعرف المتكبر واقعه وما يتصف به من ألوان الضعف والعجز: وهو بينهما عاجز واهن، يرهقه
الجوع والظمأ، ويعروه السقم والمرض، وينتابه الفقر والضُّر، ويدركه الموتُ والبِلى، لا يقوى على
جلب المنافع وردّ المكاره، فحقيق بمن اتصف بهذا الوهن، أن ينبذ الأنانية والتكبر، مستهديأ بالآية
الكريمة «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين» (القصص: 83)
فأفضل الناس أحسنهم أخلاقاً، وأكثرهم نفعاً، وأشدّهم تقوى وصلاحاً.
(2) - أن يتذكر مآثر التواضع ومحاسنه، ومساوئ التكبر وآثامه، وما ترادف في مدح الأول وذم الثاني
من دلائل العقل والنقل، قال بزرجمهر: «وجدنا التواضع مع الجهل والبخل، أحمد عند العقلاء من
الكبر مع الأدب والسخاء، فأنبِل بحسنة غطّت على سيئتين، وأقبح بسيئة غطّت على حسنتين»(1).
(3) - أن يروض نفسه على التواضع، والتخلق بأخلاق المتواضعين، لتخفيف حدة التكبر في نفسه،
وإليك أمثلة في ذلك:
أ - جدير بالعاقل عند احتدام الجدل والنقاش في المساجلات العلمية أن يذعن لمناظره بالحق إذا
ما ظهر عليه بحجته، متفادياً نوازع المكابرة والعناد.
الله تعالى يحب من عباده المتواضعين‚ لأنهم أقوام أرواحهم مشرقة‚ وافئدتهم عامرة‚ فهم ينكرون ذواتهم‚ لأنهم عقلاء لا يعرفون الا سيدهم وولي نعمتهم‚ الذي اوجد وخلق‚ واعطى ورزق‚ ان الذي يتطاول بعلمه‚ أو يشمخ بماله‚ دائما يبتليه الله بنكبات لا مخرج منها إلا بجهود خاصة تناسب عبقريته وفطنته‚‚ فقد وكله الله لنفسه‚ ومنع الماء عن بستان قلبه‚ فلا سند ولا ظهير‚ فهو برأسه فلق رأسه!! أما من ستر نفسه برداء التواضع‚ فقد دخل حصن الله الحصين‚ الذي من دخله كان من الآمنين‚ تقبل مروري مرهف موضوعك مميز