هذا الكتاب القرآن الكريم الذي أُنزل على قلب سيد المرسلين ، والذي فيه المنهاج القويم ، لو أنهم درسوا ما فيه ، ونظروا في توجيهاته ، وفي أخباره ، وفي تفاصيله لآمنوا ، لكنهم كذبوا . الآن لو رأوا بأم أعينهم كتاباً ينزل من السماء ، فلما وصل إلى الأرض لمسوه بأيديهم لقالوا : ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ، معنى ذلك أن الذي يريد أن يؤمن أبسط شيء يراه يكفيه للإيمان ، والذي لا يريد أن يؤمن لو رأى المعجزات تلو المعجزات لا يؤمن ، القضية قضية قرار داخلي يتخذه الإنسان ، لو أن الإنسان أراد الحقيقة فإن البعرة تدل على البعير ، والأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟!!
القضية أيها الأخوة أن هذا الكون بوضعه الراهن ، بوضعه القائم من دون خرق لنواميسه هو معجزة ، عينك معجزة ، حواسك الخمس معجزة ، الدماغ معجزة ، ابنك الذي تراه بعينك معجزة ، الطعام الذي تأكله معجزة ، لو أنك نظرت إلى ما في هذا الكون من دون تغيير لنواميسه ، ولا لقوانينه ، من دون خرق لقوانينه هو بحد ذاته معجزة ، فهذا الإعجاز اللامتناهي إن تعامى الإنسان عنه فلن يؤمن بخرق لنواميسه ، ولا بخرق لقواعده ، فلذلك أيها الأخوة ، هذا الذي أراد أن يؤمن لا يحتاج إلى معجزة ، والذي أراد ألا يؤمن لا تنفعه المعجزة .