قد يصاب الإنسان بمرض عضوي، فيلتمس له الأطباء، ويبحث عن العلاج، ويسعى قدر المستطاع طلباً للشفاء، ولا يزال كذلك حتى يبرأ أو يخف مرضه، وهو مع ذلك يتشبث بكل سبب قد يوصله إلى العافية، وهذا المريض يتقبل الدواء ويستجيب له، ويتفاعل معه فيسرع إليه الإبلال.
وثمة مريض آخر قد يصاب بمرض في فهمه، ولكنه لا يعترف بذلك، ولا يدري أنه مريض، بل هو عند نفسه من الأصحاء الأسوياء؛ لأنه لا يرى مرضاً حسياً فيه. ولا يرى مرضه إلا من يتعامل معه، فإما أن يكون مرضه بسوء تصرفاته مع تكرارها ويحسب أنه يحسن صنعاً، ولا يكرر ما يعمل إلا لقناعته بصوابه، بينما هو عند غيره من أوضح الخطأ وأبينه، وإما أن يكون بتعلقه بأفكار وأوهام تجعل منه إنساناً غير سوي ويحسبه الجاهل من أعقل العقلاء لجمال مظهره وحسن هندامه، وهذا الموهوم يجعل من كل من يخالفه الرأي عدواً له، ويريد أن يستأثر بقراراته، وينفرد بأحكامه، فإن عُدّل له لم يرض، وإن وجه لم يقبل، وإن بُين له خطأ رأيه بالأدلة والبراهين برر موقفه، وإن نوقش غضب، أو ذكر بالحق ظن الناس محاربين له يقفون أمام نجاحاته، فلا يقبل صرفاً ولا عدلاً، ولا يتقبل إلا من هز له رأساً، أو همهم له بالموافقة والتأييد.
ومتى كان الشخص بهذه الصفة ممن استولت عليه أوهامه، وسيطرت عليه خيالاته، كان داؤه الداء الذي لا يبرأ، والعلة التي لا تشفى، ومن هنا كان المريض بالمعصية المصر عليها أسهل استجابة وأرجى من مريض الشبهة الذي يتبع أوهاماً ويستظل سراباً، كما أن مريض الجسد أسرع برءاً وأكثر قبولاً للدواء.
وقد كشفت دراسة أجرتها كلية الصيدلة في جامعة الملك سعود في الرياض، أن 30% من مراجعي المستشفيات لا يعانون من أي مرض عضوي، وإنما يعانون من الوهم نتيجة القلق النفسي بشأن صحتهم، والأمر الذي جعل الأطباء يعالجونهم بالوهم أيضاً من خلال وصفة مادتي النشأ والسكر المصنعة على شكل كبسولات أو على هيئة أقراص وهي في الوقت ذاته لا تحمل أي تأثير طبي.
وفي دراسة أجريت على بعض المرضى الذين يراجعون الرقاة تبين أن ما يزيد عن 50% أمراضهم وهمية، فإما أن تكون بسبب جلوسهم مع مرضى من هذا النوع الذي يراجع الرقاة، أو بسبب تخوفهم وحساسيتهم من العين والحسد، وإن كانت هذه الأمراض قد زادت وانتشرت.
ومما يروى في الكتب أن رجلاً يشتكي ألماً في بطنه ذهب إلى طبيب وأخبره بذلك، ثم قال للطبيب: أشعر أن ثعباناً في بطني، صرف له الطبيب ما ظنه يزيل ألمه، إلا أن المريض لم يقتنع برأي هذا الطبيب وذهب إلى ثانٍ وانتقل إلى آخر وهكذا تنقل بينهم؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يقتلوا الثعبان الذي في بطنه، وذهب ذات يوم إلى طبيب حاذق فأخبره بقصة الثعبان وأن أحداً من الأطباء الذين ذهب إليهم لم يوفق في قتل ذلك الثعبان، فهم الطبيب مرضه وطلب منه أن يأتيه من الغد بعد العشاء، وأعد له مشروباً لقتل الثعبان، ولما جاءه أسقاه الدواء وأخبره أنه سريع المفعول سيحتاج معه قضاء الحاجة بعد لحظات من شربه، وكان الطبيب قد وضع ثعباناً مكان قضاء الحاجة والمكان مظلم، وطلب منه الطبيب أن ينظر إلى المكان بعد الانتهاء لعل الثعبان قد خرج، وفعلاً جاء مستبشراً يخبر الطبيب أن الثعبان قد خرج. فهذا الرجل لم يكن في بطنه ثعباناً ولكن الثعبان كان في رأسه، وكم هم الذين يحملون ثعابين في رؤوسهم، ولكن من يخرجها لهم؟؟