شاعر وأديب سوري، ولد في سلمية بمحافظة حماة عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية وحماة، وعمل في الصحافة رئيساً لتحرير مجلة الشرطة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.
الأعمال المسرحية
عام 1934 كان ميلاد الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية.. وسلمية ودمشق وبيروت كانت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه. قد يكون محمد الماغوط واحداً من أكبر الأثرياء في عصرنا، إرثه مملكة مترامية، حدودها الكوابيس.. والحزن.. والخوف.. واللهفة الطاعنة بالحرمان، وشمسها طفولة نبيلة وشرسة.
عاش الماغوط مع الكوابيس، حتى صار سيد كوابيسه وأحزانه، وصار الخوف في لغته نقمة على الفساد والبؤس الإنساني بكل معانيه وأشكاله.. لغته مشتعلة دائماً تمسك بقارئها، تلسعه كلماتها كألسنة النيران، ترجّهُ بقوة، فيقف قارئ الماغوط أمام ذاته، ناقداً، باكياً، ضاحكاً، مسكوناً بالقلق والأسئلة.
في قصائده ومقالاته ومسرحياته وأفلامه، قدم محمد الماغوط نفسه عازفاً منفرداً، وطائراً خارج السرب، لا يستعير لغته من أحد، ولا يր´به إلا نفسه في انتمائه وعشقه وعلاقته بالناس والأمكنة.
وفيٌّ لعذاباته.. قوي الحدس، شجاع في اختراق حصار الخوف وأعين الرقباء، منحاز إلى الحرية والجمال والعدل.. وله طقسه النادر في حب الوطن ورسم րµور عشقه له.. التي تقدمه مغايراً للمألوف في قيمه وعواطفه وانكساراته وأحلامه.
ورغم إعلانه أن الفرح ليس مهنته، وأن غرفة نومه بملايين الجدران، فهو بارع في اقتناص السعادة والاحتفاظ بها زمناً طويلاً، لكنها سعادة الماغوط المستولدة من رحم القهر والسجن والخيبة والتشرد وغدر الأصدقاء ورحيل الأحبة.. سجنه المبكر قبل قرابة نصف قرن، ما يزال نبعاً لذكريات.. تتحول المرارة فيها إلى سخرية حيناً وحكمة حيناً.. وإضاءات يطل من خلالها على نفسه أحياناً كثيرة.
مدينة (سلمية).. ودمشق.. وبيروت.. محطات حميمة في دفاتر الماغوط وفي حياته الشخصية والإبداعية.
كل الأرصفة والحانات والأقبية والحدائق العامة.. وكل الصالونات والفنادق والمقاهي والصحف ودور النشر، وكل الكتاب والرسامين والصحفيين وعمال المقاهي وشرطة المرور والسجانين وقطاع الطرق، كل النساء اللاتي أحبهن أو اللاتي نظرن باستعلاء إلى مظهره الريفي البائس واخترن مجالسة غيره.. وكل من مر بهم الماغوط في مراحل حياته المختلفة، ولا يزالون يقاسمونه غرفة نومه.. يرى ملامح لهم ومرتسمات وصوراً عالقة في كؤوس شرابه ولفافات تبغه.. ومحابره.. وأوراقه الخاصة.
كتب محمد الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، وهو في كل كتاباته حزين إلى آخر الدمع.. عاشق إلى حدود الشراسة، باحث عن حرية لا تهددها جيوش الغبار.
هو شاعر في كل نصوصه وفي كل تفاصيل حياته، يحتفظ بطفولة يندر مثيلها، يسافر كل يوم إلى نفسه وذكرياته، فيُذلل أحزانه ومواجعه، ويستعيد صور أحبته وأصدقائه وعذابات عمره الحميمة.. ويداوي نفسه بالكتابة والمكاشفة فتولد قصائده ونصوصه حاملة صورة محمد الماغوط وحريق روحه واكتشافاته التجريبية في الحياة واللغة.. فهو مدهش مفرد الأسلوب والموهبة، وأصدقاء شعره في جيله وكل الأجيال اللاحقة يتبارون في الاحتفال والاحتفاء بهذا الشاعر الضلّيل الكبير.
- يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي. - زوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح، ولهما بنتان (شام) وتعمل طبيبة، و(سلافة) متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق. - الأديب الكبير محمد الماغوط واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه صحيفة «تشرين» السورية في نشأتها وصدورها وتطورها، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية ، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 ومابعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة«المستقبل» الأسبوعية،وكانت بشهادة المرحوم نبيل خوري ¬رئيس التحرير¬ جواز مرور ،ممهوراً بكل البيانات الصادقة والأختام إلى القارئ العربي، ولاسيما السوري، لما كان لها من دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية.
الأعمال السينمائية
الحدود التقرير
أهم مؤلفات محمد الماغوط
حزن في ضوء القمر - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1959 ) غرفة بملايين الجدران - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1960) العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح) المهرج - مسرحية ( مُثلت على المسرح 1960 ، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق ) الفرح ليس مهنتي - شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970) ضيعة تشرين - مسرحية ( لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974) شقائق النعمان - مسرحية الأرجوحة - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر) غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976 ) كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979) خارج السرب - مسرحية ( دار المدى - دمشق 1999 ، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد) حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني ( من إنتاج التلفزيون السوري ) وين الغلط - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري ) وادي المسك - مسلسل تلفزيوني حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني الحدود - فيلم سينمائي (1984 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام ) التقرير - فيلم سينمائي (1987 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام) سأخون وطني - مجموعة مقالات ( 1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001 ) سياف الزهور - نصوص ( دار اى بدمشق 2001) شرق عدن غرب الله (دار المدى بدمشق 2005) البدوي الأحمر (دار المدى بدمشق 2006)
أعماله الكاملة طبعتها دار العودة في لبنان.
أعادت طباعة أعماله دار المدى في دمشق عام 1998 في كتاب واحد بعنوان (أعمال محمد الماغوط ) تضمن: ( المجموعات الشعرية: حزن في ضوء القمر، غرفة بملايين الجدران، الفرح ليس مهنتي. مسرحيتا: العصفور الأحدب، المهرج. رواية: الأرجوحة ) تُرجمت دواوينه ومختارات له ونُشرت في عواصم عالمية عديدة إضافة إلى دراسات نقدية وأطروحات جامعية حول شعره ومسرحه. ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
حلوه عيونُ النساءِ في باب توما حلوه حلوه وهي ترنو حزينةً إلى الليل والخبز والسكارى وجميلةٌ تلك الأكتافُ الغجريةُ على الاسّره .. لتمنحني البكاء والشهوة يا أمي ليتني حصاةٌ ملونةٌ على الرصيف أو أغنيةٌ طويلةٌ في الزقاق هناك في تجويفٍ من الوحلِ الأملس يذكرني بالجوع والشفاه المشرده ، حيث الأطفالُ الصغار يتدفقون كالملاريا أمام الله والشوارع الدامسه ليتني وردةٌ جوريةٌ في حديقة ما يقطفني شاعرٌ كئيب في أواخر النهار أو حانةٌ من الخشب الأحمر يرتادها المطرُ والغرباء ومن شبابيكي الملطَّخة بالخمر والذباب تخرج الضوضاءُ الكسوله إلى زقاقنا الذي ينتجُ الكآبةَ والعيون الخضر حيث الأقدامُ الهزيله ترتعُ دونما غاية في الظلام ... أشتهي أن أكون صفصافةً خضراء قرب الكنيسه أو صليباً من الذهب على صدر عذراء ، تقلي السمك لحبيبها العائد من المقهى وفي عينيها الجميلتين ترفرفُ حمامتان من بنفسج أشتهي أن أقبِّل طفلاً صغيراً في باب توما ومن شفتيه الورديتين ، تنبعثُ رائحةُ الثدي الذي أرضَعَه ، فأنا ما زلتُ وحيداً وقاسياً أنا غريبٌ يا أمي . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
كان بيتنا غاية في الاصفرار يموتُ فيه المساء ينام على أنين القطارات البعيده وفي وسطه تنوح أشجارُ الرمَّان المظلمةُ العاريه تتكسَّر ولا تنتج أزهاراً في الربيع حتى العصافير الحنونه لا تغرد على شبابيكنا ولا تقفز في باحة الدار . وكنت أحبكِ يا ليلى أكثر من الله والشوارع الطويله وأتمنى أن أغمسَ شفتيك بالنبيذ وألتهمك كتفاحةٍ حمراء على منضده . . . . ولكنني لا أستطيع أن أتنهَّدَ بحريه أن أرفرفَ بك فوق الظلام والحرير إنهم يكرهونني يا حبيبه ويتسربون إلى قلبي كالأظافر عندما أريد أن أسهرَ مع قصائدي في الحانه يريدونني أن أشهر الكلمه أمام الليل والجباه السوداء أن أجلد حروفي بالقملِ والغبار والجرحى إنني لا أستطيعُ يا حبيبه وفؤادي ينبضُ بالعيون الشهل وبالسهرات الطويلة قرب البحر أن أبني لهم إمبراطورية ترشحُ بالسعالِ والمشانق أنا طائرٌ من الريف الكلمة عندي أوزةٌ بيضاء والأغنيةٌ بستانٌ من الفستق الأخضر ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
على هذه الأرصفة الحنونة كأمي أضع يدي وأقسم بليالي الشتاء الطويله : سأنتزع علم بلادي عن ساريته وأخيط له أكماماً وأزراراً وأرتديه كالقميص إذا لم أعرف في أي خريف ٍ تسقط أسمالي . وإنني مع أول عاصفة تهب على الوطن سأصعد أحد التلال القريبة من التاريخ وأقذف سيفي إلى قبضة طارق ورأسي إلى صدر الخنساء وقلمي إلى أصابع المتنبي وأجلس عارياً كالشجرة في الستاء حتى أعرف متى تنبت لنا أهداب جديدة، ودموع جديده في الربيع ؟ وطني أيها الذئب المتلوي كشجرة إلى الوراء إليك هذه " الصور الفوتوغرافية" للمناسف والاهراءات وهذه الطيور المغردة ، والأشرعة المسافرة على " طوابع البريد" إليك هذه الجحافل المنتصره والجياد الصاهلة على الزجاج المعشق ووبر السجاد إليك هذه الأظافر المدّخره في نهاية الأصابع كأموال اليتامى بها سأكشط خطواتي عن الأرصفه سأبتر قدميّ من فوق الكاحلين وألقي بهما في الأنهار في صناديق البريد وأظل أقفز كالجندب حتى يعود عهد الفروسية والانذار قبل الطعنه. ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
قابلةٌ للموتِ تلك الجباه السكَريه قابلة لأن تنشد وتبتسم تلك الشفاه الأكثر ليونه من العنبِ الخمري . من رغوة النبيذ المتأججِ على خاصرة عذراء قصتُها تبدأ الليله أو صباحَ غد حيث الغيومُ الشتائيةُ الحزينه تحمل لي رائحة أهلي وسريري والسهرات المضيئه بين أشجار الصنوبر . . . . آه كم أود أن أكون عبداً حقيقياً بلا حبٍّ ولا وطن لي ضفيرةٌ في مؤخرة الرأس وأقراطٌ لامعةٌ في أذنيّ أعدو وراءَ القوافل وأسرج الجياد في الليالي الممطره وعلى جلدي الأسود العاري يقطرُ دهنُ الاوز الأحمر وتنثني ركب الجواري الصغيرات إنني أسمعُ نواحَ أشجارٍ بعيده أرى جيوشا صفراء تجري فوق ضلوعي . . . . يقولون ، إن شعركَ ذهبيٌّ ولامعٌ أيها الحزن وكتفيك قويان ، كالأرصفه المستديره لفّني يا حبيبي لفني أيها الفارسُ الوثني الهزيل إنني أكثر حركه من زهرة الخوخ العاليه من زورقين أخضرين في عيني طفله . أمام المرآة أقفُ حافياً وخجولاً أتأملُ وجهي وأصابعي كنسرٍ رمادي تَعِس أحلم بأهلي واخوتي بلون عيونهم وثيابهم وجواربهم . . . . من رأى ياسمينةً فارعةً خلف أقدامي ؟ من رأى شريطةً حمراء بين دفاتري ؟ إنني هنا فناءٌ عميق وذراعٌ حديديةٌ خضراء تخبطُ أمام الدكانين والساحات الممتلئة بالنحيب واللذّه إنني أكثر من نجمةٍ صغيرة في الأفق أسير بقدمين جريحتين والفرحُ ينبضُ في مفاصلي إنني أسيرُ على قلب أُمّه . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
أيتها الجسورُ المحطّمة في قلبي أيتها الوحولُ الصافيةُ كعيون الأطفال كنا ثلاثه نخترق المدينةَ كالسرطان نجلسُ بين الحقول ، ونسعلُ أمام البواخر لا وطنَ لنا ولا سياط نبحثُ عن جريمةٍ وامرأة تحت نور النجوم وأقدامُنا تخبُّ في الرمال تفتحُ مجاريرَ من الدم نحن الشبيبة الساقطه والرماح المكسورة خارج الوطن من يعطينا شعبا أبكماً نضربه على قفاه كالبهائم ؟ لنسمعَ تمزُّق القمصان الجميله وسقسقةَ الهشيم فوق البحر لنسمعَ هذا الدويّ الهائل لستةِ أقدام جريحة على الرصيف حيث مئةُ عام تربضُ على شواربنا المدمَّاة مئة عام والمطر الحزين يحشرجُ بين أقدامنا . . . . بلا سيوفٍ ولا أمهات وقفنا تحت نور الكهرباء نتثاءبُ ونبكي ونقذف لفائفنا الطويلةَ باتجاه النجوم نتحدثُ عن الحزن والشهوه وخطواتِ الأسرى في عنقِ فيروز وغيوم الوطن الجاحظه تلتفتُ إلينا من الأعالي وتمضي .. يا ربّ أيها القمرُ المنهوك القوى أيها الإلهُ المسافرُ كنهدٍ قديم يقولون أنك في كل مكان على عتبة المبغى ، وفي صراخِ الخيول بين الأنهار الجميله وتحت ورقِ الصفصاف الحزين كن معنا في هذه العيون المهشمه والأصابع الجرباء أعطنا امرأه شهيه في ضوء القمر لنبكي لنسمعَ رحيل الأظافر وأنين الجبال لنسمعَ صليل البنادق من ثدي امرأة . ما من أمةٍ في التاريخ لها هذه العجيزةُ الضاحكه والعيونُ المليئةُ بالأجراس . . . . لعشرين ساقطة سمراء ، نحملُ القمصان واللفائف نطلّ من فرجات الأبواب ونرسل عيوننا الدامعة نحو موائد القتلى لعشرين غرفة مضاءةٍ بين التلال نتكىءُ على المدافع ونضع ذقوننا اللامعة فوق الغيوم . ابتسمْ أيها الرجلُ الميت أيها الغرابُ الأخضرُ العينين بلادُك الجميلةُ ترحل مجدك الكاذبُ ينطفئُ كنيران التبن فتح ساقيك الجميلتي .. لنمضي .. لنسرع إلى قبورنا وأطفالنا المجدُ كلماتٌ من الوحل والخبزُ طفلةٌ عاريةٌ بين الرياح . . . . يا قلبي الجريح الخائن أنا مزمارُ الشتاء البارد ووردةُ العار الكبيره تحت ورق السنديان الحزين وقفتُ أدخن في الظلام وفي أظافري تبكي نواقيس الغبار كنت أتدفقُ وأتلوى كحبلٍ من الثريات المضيئة الجائعه وأنا أسير وحيداً باتجاه البحر ذلك الطفل الأزرق الجبان مستعداً لارتكاب جريمة قتل كي أرى أهلي جميعاً وأتحسسهم بيدي أن أتسكعَ ليلةً واحده في شوارعِ دمشق الحبيبه . . . . يا قلبي الجريح الخائن في أظافري تبكي نواقيسُ الغبار . هنا أريد أن أضعَ بندقيتي وحذائي هنا أريد أن أحرقَ هشيم الحبر والضحكات أوربا القانية تنزفُ دماً على سريري تهرولُ في أحشائي كنسرٍ من الصقيع لن نرى شوارع الوطن بعد اليوم البواخرُ التي أحبها تبصقُ دماً وحضارات البواخر التي أحبها تجذبُ سلاسلها وتمضي كلبوةٍ تجلد في ضوء القمر يا قلبي الجريح الخائن ليس لنا إلا الخبز والأشعار والليل وأنت يا آسيا الجريحه أيتها الوردةُ اليابسةُ في قلبي الخبز وحده يكفي القمح الذهبيُّ التائهُ يملأُ ثدييك رصاصاً وخمرا . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
بيتنا الذي كان يقطنُ على صفحةِ النهر ومن سقفه الأصيل والزنبقُ الأحمر هجرتُه يا ليلى وتركتُ طفولتي القصيره تذبلُ في الطرقات الخاويه كسحابةٍ من الوردِ والغبار غداً يتساقط الشتاء في قلبي وتقفز المتنزهاتُ من الأسمالِ والضفائر الذهبيه وأجهشُ ببكاءٍ حزين على وسادتي وأنا أرقبُ البهجة الحبيبه تغادرُ أشعاري إلى الأبد والضبابُ المتعفّنُ على شاطئ البحر يتمدَّدُ في عيني كسيلٍ من الأظافرِ الرماديه حيثُ الرياحُ الآسنه تزأرُ أمام المقاهي والأذرعُ الطويلةُ ، تلوحُ خاويةً على الجانبين يطيبُ لي كثيراً يا حبيبة ، أن أجذبَ ثديك بعنف أن أفقد كآبتي أمام ثغرك العسلي فأنا جارحٌ يا ليلى منذ بدءِ الخليقةِ وأنا عاطلٌ عن العمل أدخِنُ كثيراً وأشتهي أقربَ النساء إليّ ولكم طردوني من حاراتٍ كثيره أنا وأشعاري وقمصاني الفاقعة اللون غداً يحنُّ إليّ الأقحوان والمطرُ المتراكمُ بين الصخور والصنوبرةُ التي في دارنا ستفتقدني الغرفات المسنّه وهي تئنُّ في الصباح الباكر حيث القطعان الذاهبةُ إلى المروج والتلال تحنُّ إلى عينيّ الزرقاوين فأنا رجلٌ طويلُ القامه وفي خطواتي المفعمةِ بالبؤس والشاعريه تكمن أجيالٌ ساقطةٌ بلهاء مكتنزةٌ بالنعاسِ والخيبة والتوتر فأعطوني كفايتي من النبيذ والفوضى وحرية التلصلصِ من شقوق الأبواب وبنيّةً جميله تقدم لي الورد والقهوة عند الصباح لأركضَ كالبنفسجة الصغيرةِ بين السطور لأطلقَ نداءاتِ العبيد من حناجر الفولاذ . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
قبورنا معتمةٌ على الرابيه والليل يتساقطُ في الوادي يسيرُ بين الثلوج والخنادق وأبي يعود قتيلاً على جواده الذهبي ومن صدره الهزيل ينتفض سعالُ الغابات وحفيفُ العجلات المحطّمه والأنين التائهُ بين الصخور ينشدُ أغنيةً جديدةً للرجل الضائع للأطفال الشقر والقطيع الميت على الضفة الحجريه . . . . أيتها الجبالُ المكسوةُ بالثلوج والحجاره أيها النهرُ الذي يرافق أبي في غربته دعوني انطفىء كشمعةٍ أمام الريح أتألّم كالماء حول السفينه فالألم يبسط جناحه الخائن والموتُ المعلقُ في خاصرة الجواد يلج صدري كنظرةِ الفتاة المراهقه كأنين الهواءِ القارس . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
الآن في الساعة الثالثة من القرن العشرين حيث لا شيء يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره سوى الاسفلت سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو ولن أنهض حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين في العالم وتوضع أمامي لألوكها كالجمل على قارعة الطريق.. حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين من قبضات أصحابها وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى) في غاباتها أضحك في الظلام أبكي في الظلام أكتبُ في الظلام حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره سترتُ أوراقي بيدي كبغيٍّ ساعةَ المداهمه من أورثني هذا الهلع هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه أو قبعةً من فرجة باب حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات تطارده من شريان إلى شريان آه يا حبيبتي عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي المأساة ليست هنا في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار إنها هناك في المهد.. في الرَّحم فأنا قطعاً ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه بل بحبل مشنقة ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
شعركِ الذي كان ينبضُ على وسادتي كشلالٍ من العصافير يلهو على وساداتٍ غريبه يخونني يا ليلى فلن أشتري له الأمشاط المذهبّه بعد الآن سامحيني أنا فقيرٌ يا جميله حياتي حبرٌ ومغلفاتٌ وليل بلا نجوم شبابي باردٌ كالوحل عتيقٌ كالطفوله طفولتي يا ليلى .. ألا تذكرينها كنت مهرجاً .. أبيع البطالة والتثاؤبَ أمام الدكاكين ألعبُ الدّحل وآكل الخبز في الطريق وكان أبي ، لا يحبني كثيراً ، يضربني على قفاي كالجارية ويشتمني في السوق وبين المنازل المتسلخةِ كأيدي الفقراء ككل طفولتي ضائعاً .. ضائعاً أشتهي منضدةً وسفينة .. لأستريح لأبعثر قلبي طعاماً على الورق . . . في البساتين الموحله .. كنت أنظمُ الشعر يا ليلى وبعد الغروب أهجر بيتي في عيون الصنوبر يموت .. يشهق بالحبر وأجلسُ وحيداً مع الليل والسعال الخافت داخل الأكواخ مع سحابة من النرجس البرّي تنفض دموعها في سلال العشبِ المتهادية على النهر هدية لباعة الكستناء والعاطلين عن العمل على جسر فكتوريا . . . . هذا الجسرُ لم أره من شهورٍ يا ليلى ولا أنت تنتظرينني كوردةٍ في الهجير سامحيني .. أنا فقيرٌ وظمآن أنا إنسانُ تبغٍ وشوارع وأسمال . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
صاخبٌ أنا أيها الرجلُ الحريري أسير بلا نجومٍ ولا زوارق وحيد وذو عينين بليدتين ولكنني حزين لأن قصائدي غدت متشابهة وذات لحن جريح لا يتبدَّل أريد أن أرفرفَ ، أن أتسامى كأميرٍ أشقر الحاجبين يطأ الحقول والبشريه .. . . . وطني .. أيها الجرسُ المعلَّقُ في فمي أيها البدويُّ المُشْعثُ الشعر هذا الفمُ الذي يصنع الشعر واللذه يجب أن يأكلَ يا وطني هذه الأصابعُ النحيلة البيضاء يجب أن ترتعش أن تنسج حبالاً من الخبز والمطر . . . . لا نجومَ أمامي الكلمةُ الحمراء الشريدة هي مخدعي وحقولي . كنتُ أودُّ أن أكتب شيئاً عن الاستعمارِ والتسكع عن بلادي التي تسير كالريح نحو الوراء ومن عيونها الزرق تتساقط الذكرياتُ والثيابُ المهلهه ولكنني لا أستطيع قلبي باردٌ كنسمةٍ شماليه أمام المقهى إن شبحَ تولستوي القميء ، ينتصبُ أمامي كأنشوطةٍ مدلاة ذلك العجوز المطوي كورقةِ النقد في أعماق الروسيا . لا أستطيع الكتابةَ ، ودمشقُ الشهيه تضطجعُ في دفتري كفخذين عاريين . . . . يا صحراءَ الأغنية التي تجمع لهيب المدن ونواحَ البواخر لقد أقبلَ والليلُ طويلاً كسفينة من الحبر وأنا أرتطمُ في قاع المدينه كأنني من وطنٍ آخر وفي غرفتي الممتلئة بصور الممثلين وأعقابِ السجائر أحلمُ بالبطولة ، والدم ، وهتاف الجماهير وأبكي بحرارة كما لم تبكِ امرأة من قبل فاهبطْ يا قلبي على سطح سفينةٍ تتأهب للرحيل إن يدي تتلمس قبضة الخنجر وعيناي تحلقان كطائرٍ جميلٍ فوق البحر . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
أظنُّها من الوطن هذه السحابةُ المقبلةُ كعينين مسيحيتين ، أظنُّها من دمشق هذه الطفلةُ المقرونةُ الحواجب هذه العيونُ الأكثر صفاءً من نيرانٍ زرقاءَ بين السفن . أيها الحزن .. يا سيفيَ الطويل المجعَّد الرصيفُ الحاملُ طفله الأشقر يسأل عن وردةٍ أو أسير ، عن سفينةٍ وغيمة من الوطن ... والكلمات الحرّة تكتسحني كالطاعون لا امرأةَ لي ولا عقيده لا مقهى ولا شتاء ضمني بقوة يا لبنان أحبُّكَ أكثر من التبغِ والحدائق أكثر من جنديٍّ عاري الفخذين يشعلُ لفافته بين الأنقاض ان ملايين السنين الدمويه تقف ذليلةً أمام الحانات كجيوشٍ حزينةٍ تجلس القرفصاء ثمانية شهور وأنا ألمسُ تجاعيد الأرضِ والليل أسمع رنينَ المركبة الذليله والثلجَ يتراكمُ على معطفي وحواجبي فالترابُ حزين ، والألمُ يومضُ كالنسر لا نجومَ فوق التلال التثاؤب هو مركبتي المطهمةُ ، وترسي الصغيره والأحلام ، كنيستي وشارعي بها استلقي على الملكاتِ والجواري وأسيرُ حزيناً في أواخر الليل . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
سئمتك أيها الشعر ، أيها الجيفةُ الخالده لبنان يحترق يثب كفرس جريحة عند مدخلِ الصحراء وأنا أبحثُ عن فتاة سمينه أحتكُّ بها في الحافله عن رجلٍ عربي الملامح ، أصرعه في مكانٍ ما . بلادي تنهار ترتجفُ عاريةً كأنثى الشبل وأنا أبحث عن ركنٍ منعزل وقرويةٍ يائسة ، أغرّر بها . . . . يا ربة الشعر أيتها الداخلةُ إلى قلبي كطعنة السكين عندما أفكر ، بأنني أتغزَّل بفتاة مجهوله ببلادٍ خرساء تأكلُ وتضاجعُ من أذنيها أستطيع أن أضحك ، حتى يسيل الدم من شفتيَّ أنا الزهرة المحاربه ، والنسرُ الذي يضرب فريسته بلا شفقه . . . . أيها العرب ، يا جبالاً من الطحين واللذَّه يا حقول الرصاص الأعمى تريدون قصيدةً عن فلسطين ، عن الفتحِ والدماء ؟ أنا رجلٌ غريبٌ لي نهدان من المطر وفي عينيَّ البليدتين أربعةُ شعوبٍ جريحة ، تبحث عن موتاها . كنت جائعاً وأسمع موسيقى حزينه وأتقلب في فراشي كدودة القز عندما اندلعتْ الشرارة الأولى . . . أيتها الصحراء ... إنك تكذبين لمن هذه القبضةُ الأرجوانيه والزهرةُ المضمومةُ تحت الجسر ، لمن هذه القبورُ المنكّسة تحت النجوم هذه الرمالُ التي تعطينا في كل عام سجناً أو قصيده ؟ عاد البارحةَ ذلك البطل الرقيق الشفتين ترافقه الريحُ والمدافع الحزينه ومهمازه الطويل ، يلمع كخنجرين عاريين أعطوه شيخاً أو ساقطه أعطوه هذه النجوم والرمال اليهوديه . . . . هنا .. في منتصف الجبين حيث مئاتُ الكلمات تحتضر أريد رصاصةَ الخلاص يا إخوتي لقد نسيت حتى ملامحكم أيتها العيونُ المثيرة للشهوة أيها الله ... أربع قاراتٍ جريحة بين نهديّ كنت أفكر بأنني سأكتسح العالم بعيني الزرقاوين ، ونظراتي الشاعره . . . . لبنان .. يا امرأةً بيضاء تحت المياه يا جبالاً من النهود والأظافر إصرخْ أيها الأبكم وارفعْ ذراعك عالياً حتى ينفجر الابط ، واتبعني أنا السفينةُ الفارغه والريحُ المسقوفة بالأجراس على وجوه الأمهات والسبايا على رفات القوافي والأوزان سأطلق نوافير العسل سأكتب عن شجرةٍ أو حذاء عن وردة أو غلام ارحلْ أيها الشقاء أيها الطفلُ الأحدبُ الجميل أصابعي طويلة كالإبر وعيناي فارسان جريحان لا أشعارَ بعد اليوم إذا صرعوك يا لبنان وانتهت ليالي الشعر والتسكع سأطلقُ الرصاص على حنجرتي . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
نُصفُهُ نجوم ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل وراء كل نافذه شاعرٌ يبكي ، وفتاةٌ ترتعش ، قلبي يا حبيبةٌ ، فراشةٌ ذهبيه ، تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين . . . . كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار ولأهدابك الصافيةِ ، رائحةُ البنفسجِ البرّي عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين ، أحلم بالغروب بين الجبال ، والزوارقِ الراحلةِ عند المساء ، أشعرُ أن كل كلمات العالم ، طوعَ بناني . . . . فهنا على الكراسي العتيقه ذاتِ الصرير الجريح ، حيث يلتقي المطر والحب ، والعيون العسليه كان فمك الصغير ، يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر فترتسمُ الدموعُ في عيني وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشيه كهدير الأقدام الحافيةِ في يوم قائظ . . . . لقد كنتِ لي وطناً وحانه وحزناً طفيفاً ، يرافقني منذ الطفوله يومَ كان شعرك الغجري يهيمُ في غرفتي كسحابه .. كالصباح الذاهب إلى الحقول . فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان واخفقْ يا قلبي الجريح بكثره .. ففي حنجرتي اليوم بلبلٌ أحمرُ يودُّ الغناء أيها الشارع الذي أعرفه ثدياً ثدياً ، وغيمة غيمه يا أشجار الأكاسيا البيضاء ليتني مطرٌ ذهبي يتساقط على كل رصيفٍ وقبضةِ سوط أو نسيمٌ مقبلٌ من غابة بعيده لألملم عطر حبيبتي المضطجعة على سريرها كطير استوائي حنون ليتني أستطيع التجول في حارات أكثرَ قذارة وضجه أن أرتعشَ وحيداً فوق الغيوم . . . . لقد كانت الشمس أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي والسماء الزرقاء تتسلل من النوافذ والكوى العتيقه كشرانقَ من الحرير يوم كنا نأكل ونضاجعُ ونموتُ بحرية تحت النجوم يوم كان تاريخنا دماً وقاراتٍ مفروشه بالجثث والمصاحف . ــــــــــــ يتبع ــــــــــــ
الحبُّ خطواتٌ حزينةٌ في القلب والضجرُ خريفٌ بين النهدين أيتها الطفلة التي تقرع أجراس الحبر في قلبي من نافذة المقهى ألمح عينيك الجميلتين من خلال النسيم البارد أتحسَّسُ قبلاتكِ الأكثر صعوبةً من الصخر . ظالمٌ أنت يا حبيبي وعيناك سريران تحت المطر ترفق بي أيها الالهُ الكستنائي الشعر ضعني أغنيةً في قلبك ونسراً حول نهديك دعني أرى حبك الصغير يصدحُ في الفراش أنا الشريدُ ذو الأصابع المحرقه والعيونُ الأكثر بلادة من المستنقع لا تلمني إذا رأيتني صامتاً وحزيناً فإنني أهواك أيها الصنمُ الصغير أهوى شعرك ، وثيابك ، ورائحة زنديك الذهبيتين . . . . كن غاضباً أو سعيداً يا حبيبي كن شهياً أو فاتراً ، فإنني أهواك . يا صنوبرةً حزينة في دمي من خلال عينيك السعيدتين أرى قريتي ، وخطواتي الكئيبة بين الحقول أرى سريري الفارغ وشعري الأشقر متهدلاً على المنضده كن شفوقاً بي أيها الملاك الوردي الصغير سأرحلُ بعد قليل ، وحيداً ضائعاً وخطواتي الكئيبه تلتفت نحو السماء وتبكي . ــــــــــــ انتهى ــــــــــــ