وفي العصر الهلنستي الذي أعقب موت الإسكندر، تقدمت الزراعة في سورية. وكان القمح أهم إنتاج فيها، وانتشرت زراعة الكروم وتحسنت أنواعها. كما اشتهرت بزراعة الزيتون واستخراج الزيت، ومن النباتات التي أدخلها المزارعون في سورية أشجار الفستق. وتميزت بإنتاج أجود أنواع الزجاج والأصباغ والنبيذ والزيت (قدر عدد سكان سورية في العصر الهلنستي بنحو ستةملايين نسمة).
وفي عام 64ق.م قضى الرومان على حكم السلوقيين في سورية، وضمها القائد بومبي إلى الإمبراطورية الرومانية، كما ضمت مصر إلى الإمبراطورية الرومانية بعد معركة «أكتيوم» عام 31ق.م. وكان الزعماء العرب، حكاماً محليين في تدمر وحمص وبلاد الأنباط. وأسست بعض المدن فيما بينها اتحاداً كاتحاد المدن العشرة (ديكابوليس). وأفادت سورية من السلم العالمي الذي حققه الرومان في زمن الأباطرة الخمسة من عهد نيرفا 96-98م، حتى زمن «ماركوس أويليوس» 161-180م. وعرفت قمة ازدهارها في عهد تراجان (98-117م) وهادريان (117-138م) وتأكدت ذروة قوتها، حين تمكنت الفرق الرومانية في سورية من رفع قائدها «فيسبازيان» إلى العرش الإمبراطوري عام 69م.
ازدهرت المدن السورية (مثل أنطاكية وضاحيتها دفنة، واللاذقية وأفاميا، وحمص ودمشق وبيروت وبعلبك، وتدمر وبصرى، وشهبا وحريطة:القنوات ودورا أوروبوس. وقد اشتهرت أنطاكية بحياة الترف والمدرجات والحمامات والحدائق والطرق المرصوفة والمضاءة ليلاً والمهرجانات الرياضية. وكانت اللاذقية مركز مسرات يتردد عليه كبار الأغنياء، وقد اشتهرت بنبيذها الذي كانت تصدره إلى عواصم الولايات الرومانية على شواطئ البحر المتوسط. وكانت أفاميا ذات أهمية كبيرة فيها مدرسة الفلسفة. وتطورت دمشق من عاصمة آرامية، قديمة منسية، إلى مدينة ذات فعاليات ونشاطات اقتصادية. وكانت بيروت أهم مدينة ساحلية، فيها مدرسة حقوق واستمرت أهمية بعلبك (هليوبوليس مدينة الشمس) ومنبج (هيرابوليس مدينة الربة هيرا).
في الجنوب، كان معظم مدن فلسطين وشرقي الأردن القديمة، قد تأثر بالطابع الإغريقي. وفي بيت لحم ولد السيد المسيح، الذي دعا إلى دين جديد متميز بأخلاقية إنسانية، فأخذت الديانة المسيحية تنتشر في سورية وتلفت أنظار العالم بجهود الرسل وعلى رأسهم القديس بولس. وكانت أنطاكية أول مركز لانتشار المسيحية في سورية وخارجها.
وتمكنت سلالة سورية أن تعتلي عرش الإمبراطورية الرومانية وكان من أباطرتها «كاركالا» (211-217م) وإيلا غابال (218-222م) وانتهى حكمها بموت «إسكندر سيفيروس» (222-235م)، كما تمكن القائد السوري فيليب العربي من اعتلاء عرش روما وحكم الإمبراطورية من عام 244م إلى 249م. ومارس الاقتصاديون السوريون نشاطاتهم في الولايات المختلفة. وكانت سفنهم في القرن الثاني والثالث، تنتقل بين موانئ البحر المتوسط. وكانت جزيرة ديلوس وصقلية من المراكز الرئيسة للتجارة السورية. وكانت بضائعهم التجارية تتألف من الحبوب والخمور والزجاج والمنسوجات والمجوهرات والتوابل وغيرها. وقد أسهمت نشاطاتهم الفكرية في نشر الديانة المسيحية وانتصارها على الوثنية.