[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]جامع خالد بن الوليد
في مدينة حمص
يتصف تاريخ بلاد الشام بصفات وسمات في غاية الأهمية، وتتصدر هذه السمات سمة عراقة هذا التاريخ وقدمه والتواصل الحضاري والعطاء في كافة الميادين. فقد هيأها موقعها للانفتاح على الحضارات الإنسانية على الرغم من خضوعها أحياناً لحكم أجنبي. وفي مجريات حوادث ماضي الشام الطويل، كان للفتح العربي الإسلامي أعظم الآثار عليها، من ذلك ترسيخ عروبتها وتبديل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعمرانية فيها. فعلى صعيد السياسة الداخلية والخارجية، تحول دور القبائل العربية من الهامش إلى الصميم، وعلى صعيد التمدن: تقدمت مكانة مدن، مثل دمشق وحلب ومعرة النعمان وغيرها، وظهرت مدن جديدة مثل الرملة وغيرها، ولا بد في استعراضنا لتاريخ بلاد الشام في عصر صدر الإسلام، من الحديث عن حركة الفتوحات وما لحق ذلك من أحداث العصر الراشدي ومن ثم قيام الخلافة الأموية، وما حققته هذه الخلافة من إنجازات.
كانت الصلات قبل الإسلام بين عرب شبه الجزيرة وبلاد الشام قوية جداًَ. فإلى الشام كانت تتجه إحدى رحلتي أهل مكة كل عام، وإلى الشام توجهت أنظار الرسول الكريم (ص)، فكانت قبلته الأولى تتجه نحو بيت المقدس، وإلى الشام وجه الرسول الدعاة وبعث حملة خارج شبه الجزيرة العربية بقيادة أسامة بن زيد، بعد أن كان أبوه زيد بن حارثة قد استشهد على أرض الشام في حملة سابقة إلى جانب جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة في موقعة مؤتة. وتوقفت حملة أسامة بسبب مرض النبي (ص) ثم وفاته، فأمر خليفته أبو بكر بتنفيذ أمر الرسول (ص)، ومضى أسامة لوجهته نحو بلاد الشام. وفي أثناء غيبة أسامة حدثت ردة بعض قبائل العرب، وبدأت حروب الردة، وما إن فرغ أبو بكر من هذه الحروب حتى جهز الجيوش لتحرير الشام من حكم الروم البيزنطيين. وفي عام 13هـ/634م، استنفر الخليفة أبو بكر العرب في بقاع شبه الجزيرة، وشكل أربعة جيوش وعين لقيادتها أبا عبيدة بن الجراح ووجهته مدينة حمص، ويزيد بن أبي سفيان ووجهته مدينة دمشق، وشرحبيل بن حسنة ووجهه شرقي نهر الأردن، وعمرو بن العاص ووجهته فلسطين. ويبدو أن مهمة أبي عبيدة أيضاًَ كانت العمل بمثابة ضابط ارتباط وتنسيق لهذه الجيوش وصلة وصل لها بالخلافة.
كان أبو بكر كغيره من رجالات قريش، يعرف الشام معرفة جيدة ويعيش وسط آمال تحرير هذه البلاد من سيطرة بيزنطة، وكان مما يشجع على ذلك عروبة سكان الشام ونزعاتهم الاستقلالية، مع ما كانت تعانيه بيزنطة من مشاكل داخلية وانقسامات سياسية وكنسية. دفع الخليفة أبو بكر القوات وفق خطة عسكرية واضحة تستهدف تحرير الشام أولاَ، ثم متابعة الفتوحات في بقية أقطار الأرض انطلاقاً من وضع الشام الاستراتيجي والجغرافي. وكانت تأخذ في اعتباراتها طبيعة المقاتل العربي وأحواله من حيث التسليح والتموين والمقدرة القتالية وطرائق القتال.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]نقود بيزنطية عليها رسم هرقل ملك الروم
اصطدمت القوات العربية بجيوش بيزنطة فهزمتها، وكان الإمبراطور هرقل في حمص، عندما بلغته أخبار زحف الجيوش العربية وأنباء انتصاراتها وهزائم قواته، فحرك قوات ضخمة بقيادة أخيه تيودور. وصلت أخبار التحرك البيزنطي إلى القادة العرب، فكتب أبو عبيدة إلى الخليفة أبي بكر، يطلب منه المدد، وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد، قائد جبهة العراق، أن ينجد قواته في بلاد الشام، وقال له في نهاية رسالته: فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]درهم أموي
اجتاز خالد بن الوليد الصحراء بسرعة مدهشة، وكان عمله من أعظم الأعمال العسكرية شجاعة ومغامرة، ونتج عن ذلك نتائج كبيرة. فقد ظهر خالد مع قواته بشكل مفاجئ للروم في بلاد الشام، واستسلمت له بعض المواقع وهو في طريقه إلى حوران التي سيطر عليها، بعد أن سقطت بيده مدينة بصرى. وقد بعثت أعماله وانتصاراته النشاط والحماسة بين أفراد القوات العربية، وأرسل إلى قادة الجيوش العربية، طالباً منهم أن يلاقوه في منطقة أجنادين ـ على أرض فلسطين ـ. وفي أجنادين أنزلت القوات العربية، المجتمعة بقيادة خالد، الهزيمة بالقوات التي كانت تفوق العرب بعددها وعُدَّتها، وفرَ تيودور إلى أخيه الإمبراطور، يحمل إليه أخبار الهزيمة، مما جعله يرحل من حمص نحو أنطاكية لجمع الجيوش وإعداد ما يلزم لمنع العرب المسلمين من التقدم شمالاً.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]جامع خالد بن الوليد
في بدايات القرن العشرين
حررت معركة «أجنادين» عام 13هـ/634م فلسطين من الحكم البيزنطي، وأصبح الطريق بعدها مفتوحاً أمام العرب المسلمين للتوجه نحو دمشق، فتحركت قواتهم نحوها وضربت الحصار عليها بعد أن عزلتها بشكل كامل باحتلالها منطقة ثنية العقاب لمنع وصول نجدات بيزنطية من الشمال، واحتلت المناطق الواقعة على الطريق المؤدية إلى البقاع. وفي أثناء حصار العرب لدمشق وصلتهم أخبار وفاة الخليفة أبي بكر، وبيعة المسلمين بعده لعمر بن الخطاب خليفةً له. وافتتح عمر عهده برسالة، يعزل فيها خالد بن الوليد عن القيادة العامة للقوات العربية في بلاد الشام، ويعهد بها إلى أبي عبيدة بن الجراح. لم يحدث هذا العزل تأثيراً على وضع القوات، وبقي خالد القائد المؤثر والفعال، حيث بقي أبو عبيدة لا يقدم على عمل إلا بعد مشورة خالد، وسقطت دمشق بعد حصار طويل عام 14هـ/635م. وكان لخالد بن الوليد اليد الطولى في تحريرها. وتحركت بعدها القوات العربية شمالاً، فتجاوزت مدينة حماة، وبدأت عملية تطهير بلاد الشام من القوات البيزنطية، لكن هرقل استنفر كل طاقات إمبراطوريته، وأعد جيشاً عظيماًَ يضم الجنسيات المختلفة. وزحفت هذه القوات البيزنطية جنوباً بهدف تحطيم القوة العربية، ووصلت أخبار التحرك البيزنطي إلى أبي عبيدة، وكان في منطقة حمص، فعقد مجلساً حربياً ضم كبار القادة وتباحث معهم، فقر رأيهم على الانسحاب إلى موقع مناسب، يمكنهم من مواقعة الروم في معركة فاصلة، ويسمح لهم بالتراجع عند الضرورة نحو شبه الجزيرة، كما أنهم قرروا الكتابة بذلك إلى الخليفة عمر، يصفون له حالهم ويطلبون المدد.
قامت القوات العربية بعملية انسحاب عام من كافة المدن والمناطق، التي كانت قد أخذتها، وتجمعت كلها في منطقة اليرموك، وقد ولد هذا الانسحاب الغرور في نفوس قادة الروم.
تم اللقاء الحاسم على أرض حوران، وكان ظهر القوات العربية باتجاه الصحراء، بينما كانت قوات الروم محصورة بين وادي الرقاد ونهر اليرموك، ونشط خالد بن الوليد في إعداد خطط المعركة نشاطاً واسعاً، وتجلت في هذه المعركة عبقريته العسكرية، وتم فيها تحطيم القوات البيزنطية، وكان ذلك في صيف 15هـ/636م. ومما لاشك فيه أن معركة اليرموك كانت إحدى معارك التاريخ الكبرى، لما نجم عنها من نتائج، فقد استعاد العرب بعدها جميع المناطق التي حرروها من قبل، وتابعوا زحفهم شمالاً حتى جبال طوروس، وانسحب هرقل مردداً قوله: «وداعاً يا سورية، وداعاً لا لقاء بعده».
لقد حررت معركة اليرموك بلاد الشام من الحكم البيزنطي ورسخت طابعها العربي. وتم للعرب بعد انتصارهم في اليرموك تطهير بلاد الشام من بقايا الروم البيزنطيين، وحرروا بقية المراكز والمدن ومنها مدينة بيت المقدس، التي نالت عهداً خاصاً من الخليفة عمر بن الخطاب الذي عقد مؤتمراَ في الجابية (قرب نوى في حوران) تقررت فيه خطة التحركات العسكرية والإدارية والسياسية المقبلة. وعلى إثر ذلك قامت قوات عربية بقيادة عمرو بن العاص بالزحف نحو مصر لتحريرها من الروم، وزحفت قوات أخرى نحو أعالي بلاد الرافدين ـ الجزيرة، وبعد تحريرها تابعت زحفها في أرض أرمينيا فاستولت على معظمها.
جعل عمر بن الخطاب بلاد الشام ولايتين، عهد بهما إلى يزيد بن أبي سفيان ومركزه في دمشق، وأبي عبيدة بن الجراح ومركزه في حمص، وجعل الجزيرة ولاية قائمة بذاتها. أما من الناحية العسكرية فقد قسمت بلاد الشام إلى أربع مناطق عسكرية، عرفت بأسماء جند دمشق، وجند حمص، وجند الأردن، وجند فلسطين. وكان جند حمص أكبرها، وقد قسمت فيما بعد إلى قسمين هما: جند حمص وجند قنسرين.
بدأ العرب المسلمون ينزلون في مدن فلسطين ومناطق الشام بعد تحريرها. وفي عام 18هـ/639م، انتشر وباء الطاعون، وأدى إلى وفاة عدد كبير من العرب، منهم أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان، فقام الخليفة عمر بتولية معاوية بن أبي سفيان مكان أخيه يزيد، وعندما أصبح عثمان بن عفان خليفة بعد اغتيال عمر بن الخطاب، أضاف إلى معاوية حكم جميع مناطق بلاد الشام بما في ذلك منطقة الجزيرة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]