سؤال طرق مسمعي إثر محاضرة "الفراغ العاطفي" التي ألقيت في اللجنة الفتية "لجنة إعمار المساجد" بالرياض عمرها الله ونفع بها.. ولعل طارحة السؤال قد اقتنعت بضرورة إعادة أوراقنا نحن المعلمات والمربيات حول أساليب تعاملنا مع طالباتنا اللاتي لا نفتأ في كل مجلس نذكر ـ على سبيل التذمر ـ غلظتهن وقلة أدبهن، ويغيب عن أذهاننا أحياناً أنهن عاطفيات ومرهفات الحس وشديدات التأثر.. ولعلكِ تعجبين حينما تعلمين أن تلك الفتاة المشاغبة والمشاكسة والقليلة الاحترام لكِ، هي كالوردة نعومةً وكالزبدة طراوةًحييّة معطاء مع زميلتك المعلمة الأخرى ذات اليد الحانية والمشاعر الفياضة.. فلِم يا ترى؟
هل الفتاة متقلبة المزاج؟ وهي قد تكون كذلك أحياناً.. أم أنها الحساسية المفرطة من مجرد النظرة والكلمة؟ وهي موجودة كذلك، أم هو التعامل والاحترام الذي تبذله تلك المعلمة وتعجزين عن بذل شيء منه بسبب قناعتك أحياناً بأن من مستلزمات الشخصية القوية وتحصيل الهيبة هو في الصرامة، أو ضعف قدراتكِ الشخصية على الاحتواء أحياناً أخرى!
فهل حقاً نريد أن نعرف كيف نؤثر في الفتيات؛ لنجعل هذه اللبنات الناشئة حاملات لرايات الإصلاح والخير، ونكون محاضن تربوية دافئة لهن؟
لعلي أعرض لكِ بعض عوامل التأثير مستفيدة من هدى خير البشر- صلى الله عليه وسلم - الذي قال عنه ربه: { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } .
1. اعتياد القول الحسن لطالبتكِ أو زميلتكِ في العمل حيث يبين الله عز وجل: )وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم( فحين تنادي طالبتكِ بكلمة طيبة ككلمة أختي الحبيبة، ابنتي الحبيبة، قلبي عيني إلخ.. أو تردفين النداء بكلمة دعاء فتقولين: "يا رعاكِ الله، حفظكِ الله،.. إلخ" دون تكلف، أو تناديها بأحب الأسماء إليها أو تكنينها بكنية تختارها هي تحبها، وقد فعل ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه بل فعله مع صغارهم كما في حديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير".
2. السؤال عما يهم محدثتكِ حيث تكسبين قلبها، فتسألينها عن بعض أهلها أو عن نفسها، أو عن اهتماماتها وستجدين لذلك أثراً خاصةً إذا كنت على مستوى أعلى منها، كأن تكوني مديرتها أو معلمتها وتكون صغيرة وأنتِ كبيرة وفي الحديث السابق: "يا أبا عمير ما فعل النغير" يسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصبي عن اهتماماته وهو طيره الذي يربيه.. فأي شيء يعني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من "النغير" غير تأليف قلب الصغير وإشعاره بالحميميّة.
3. الأخذ بيدها أو بكتفها أو بعضدها أو وضع اليد لفترة وجيزة على رأسها أو وضع يدها بين يديك مع إشعارها بالرد، وقد وردت نماذج في سيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك حديث ابن عمر: "أخذ بمنكبي وقال يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وحديث ابن الحويرث: "وضع كفي بين كفيه" وحديث الشاب: "وضع يده على صدري حتى وجدت برد يده" وغيره كثير..
4. إشعارها بالحب والتصريح لها بذلك، فلو رأيتِ من طالبة تقصيراً أو استكباراً ودعوتها وحدها إلى غرفتكِ أو خارج الفصل وأخبرتها بحبكِ لها فقلت: "فلانة أنا أحبك فتعالي للمصلى لتحفظي القرآن"، أو شيئاً مما تريدينها تعمله ستجدين الاستجابة السريعة، وإذا لم يصلح مع واحدة سيصلح مع غيرها، وهنا أحذر من تجاوز الحدود الشرعية في هذه العلاقة فمتى لاحظت أن هناك إعجاباً شديداً فحاولي تذكيرها بالهدي النبوي والأخوة في الله، ولكن لا نترك كسب الناس مخافة أن نصل إلى مرحلة الإعجاب المذموم، كما لا يصح التساهل مع بعض الفئات المستهترة ولكن يتم الحزم بعد استنفار جميع الوسائل.
5. تفقد أحوالها؛ فإذا غابت أخبريها أنك افتقدتها، حاولي تذكر اسمها، أو اربطي بين اسمها واسم واحدة من قريباتك لتذكريه.. وإذا أردت محادثتها فخصيها بالاسم مثلاً في الفصل فإذا أردت أن تكسبي طالبة فقولي "إني أريد أن أسمع صوت فلانة، أنا مشتاقة لإجابة فلانة" بعبارات الحب والود، مع تجنب تخصيص طالبات بذلك بل يكون للعموم تجنبا للغيرة وغير ذلك.
6. تعاطفي معها عند مرضها بالقول والفعل وأشعريها باهتمامكِ بمرضها وصحتها.
7. خصيها بالاهتمام بجانب معين في بعض المواقف.. واعملي ذلك مع غيرها في مواقف أخرى لا تكون هي حاضرة فيها.. كما كان يفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ما فعل ضيفك البارحة يا أبا هريرة".
8. اهديها هدية ولو يسيرة واستفيدي من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ"تهادوا تحابوا".
9. بداءتها بالسلام عليها إذا مررت بساحة المدرسة أو بين الفصول أو في أماكن العمل ولاطفيها بين زميلاتها.
10. إذا حدثتكِ فأحسني لها الاستماع وأصغي لها باهتمام؛ لأن عدم الاستماع الجيد قد يؤدي إلى فقد ثقة الآخرين واحترامهم، وتذكري قول الشافعي رحمه الله: "إن الرجل ليحدثني بالأمر أعرفه من قبل أن تلده أمه فأصغي إليه حتى ينتهي من حديثه وأريه أني أسمعه لأول مرة".
11. ابسطي لها أسارير وجهكِ وابتعدي عن العبوس والتجهم وتقطيب الحواجب، أشعريها بالحب بعينيك. يقول ابن القيم: إن العيون مغاريف القلوب بها يعرف ما في القلوب وإن لم يتكلم صاحبها: العين تبدي الذي في عين صاحبها *** مـن الشنـــاءة أو حـب إذا كانــــا
واعلمي أن لذلك أكبر الأثر، والمتعلم يلحظ منكِ مالا تلحظين من نفسكِ: وإذا نظرت إلى أسرة وجهه *** برقت كبرق العارض المتهلل
12. اعتني بلباسكِ وهيئتكِ فإن النفس مجبولة على حب الجمال لاسيما النساء وأخص منهن المراهقات، ولكن دون تكلف ملفت أو مخالفات شرعية.
13. الإيحاء بما تريدينه منها دون طلب، واستفيدي من تجربة الشيخ الخطيب رحمه الله فقد رأى خطه وهو صغير فقال: "يشبه خطك خط المحدثين". يقول الخطيب: "فألقى في قلبي حب الحديث وطلبه منذ تلك الساعة".. وهكذا تجدين كثيرين ساهم في تميزهم كلمة سمعوها من أساتذتهم أو الكبار حولهم.
14. ابتعدي عن إحراجها خاصة في الأوقات التي تخطئ فيها أمام الآخرين، وإذا أردتِ ملاحظة خطأ أو أردتِ نصحاً فبالسر وبعيداً عن ملاحظة الآخرين..
15. اسعي إلى إدخال السرور إلى قلبها كحمل البشرى لها بما تحب.
16. أعطيها شيئاً من حاجاتكِ إذا رأيتها محتاجة إليه كقلمكِ أو (بنسة) شعركِ أو ورقة من دفتركِ أو غير ذلك.
17. ابتعدي تماماً عن التشهير بغلطها أو الاستهزاء أو الاستخفاف برأيها أو تجهليها؛ فإن النفس مفطورة على حب من يمدحها وبغض من يذمها.
18. إحرصي على تقديم النفع والشفاعة لها إذا احتاجت لذلك لا سيما إذا كانت في موقف ضعف.
19. كوني لها قدوة، فلا تراكِ على شيء تنهينها عنه، ولا تشعريها بخصوصيتكِ دونها.. كمن تنهى طالباتها عن لبس شيء أو فعله وتحرمه وهي لا تتورع من فعله، وقد يكون هاجسكِ المرعب: أخشى أن تعجب فيَ أو أخشى أن تحبني فإن تلك الخشية في غير محلها فلتحبكِ ولتتأثر بكِ واضبطي عواطفكِ عند حدود المحبة.
أستغفر الله لي وللمسلمين ، أستغفر الله لي وللمذنبين ، أستغفر الله لي وللخلق أجمعين ، أستغفر الله غفار الذنوب ، أستغفر الله ستار العيوب ، أستغفر الله حتى نقلع عن المعاصي ونتوب.